إنّ القرآن الکریم هو المعجزة الکبرى ، والمصدر التشریعیّ الأوّل ، و نور و برهان و موعظة من عند اللَّه ؛ و قد أجمعت العلماء على أنّ فیه ناسخاً و منسوخاً ، و محکماً و متشابهاً ، و مطلقاً و مقیّداً ، فلابدّ لهذا الکتاب من المفسّرین المتبحّرین المتفنّنین فی العلوم المحتاجة إلیها فی التفسیر ؛ ولایخفى أن المفسّرین أیضاً قد یعجز عن فهم بعض الآیات لاسیّما موارد الناسخ والمنسوخ أو المحکم والمتشابه و نحوها من الموارد التی لایمکن معرفتها إلّا بالرجوع إلى اُولی الأمر والراسخین فی العلم وهم أهل بیت العصمة والطهارة علیهم السلام ؛ فعلى هذا قالوا علیهم السلام علیهم السلام «نحن خزّان علم اللَّه ، وتراجمة وحی اللَّه» [الکافی ۱ : ۱۹۲ ح ۳] .

 و لقد تصدّى بعض المحدّثین والعلماء منذ حیاة الأئمّة المعصومین علیهم السلام إلى زماننا الحاضر لتدوین الروایات التفسیریّة عنهم علیهم السلام، بعضها فی حدّ رسالة شاملة لأحادیث معدودة أو ناظرة لآیة معیّنة من القرآن الکریم ، و بعضها ضخم صنّف مستقلّاً فی المراد على ترتیب السور والآیات فی المصحف الشریف ، و من أظهر کواکب هذا السماء : التفسیر المنسوب للإمام العسکری علیه السلام ، و تفسیر أبی حمزة الثمالی ، و تفسیر فرات الکوفی ، و تفسیر العیّاشی ، و تفسیر القمّی .

 و لایخفى على أهل التحقیق أهمّیّة کتاب تفسیر القمّی و اعتباره ، و فضیلة مؤلّفه علیّ بن إبراهیم بن هاشم القمّی ، و هو من أعلام القرن الثالث والرابع وأجلّ رواة الأصحاب فی عصر الإمام العسکری علیه السلام ، و قد أکثر الکلینی رحمه اللَّه علیه عنه الروایة فی الکافی و أیضاً عن أبیه إبراهیم بن هاشم الثقة . وطُبع هذا التفسیر مراراً ، و مکانته عند الأصحاب کالشمس فی رابعة النهار .

 وما بین یدی القارئ هو مختصر تفسیر القمّی صناعة أحد أعلام القرن الثامن من الهجرة ، المتفنّن فی العلوم والفنون المختلفة ، صاحب الرأی فی الحکمة والکلام والفقه والتفسیر والطبّ والریاضی وغیرها ، و یعدّ من تلامذة العلّامة الحلّی رحمه اللَّه علیه والخواجة نصیر الدین الطوسی رحمه اللَّه علیه ، قد بلغت مصنّفاته إلى أکثر من ۳۵ مورداً ، و هو کمال الدین عبد الرحمن بن محمّد بن إبراهیم بن محمّد یوسف ابن العتائقیّ الحلّی (کان حیّاً فی سنة ۷۸۶ ه) .

 و ما اکتفى المصنّف رحمه اللَّه علیه فیه على التلخیص فقط ، بل أمعن النظر فیه و جاء بإفادات ثمینة مفیدة تجد فیها دقّة و تأمّلاً جیّداً و نقداً مثمراً على نحو «أقول ...» .

 وفی الختام نشکر جزیلاً سماحة الأخ المحقّق الفاضل الشیخ محمّد جواد الحسینیّ الجلالی الذی تصدّى لتحقیق هذا الأثر الفخیم بمنهجه القویم ، کما نشکر أیضاً إخواننا المحقّقین الذین ساعدونا فی إخراج هذا الأثر القیّم ، ملتمسین لهم جمیعاً من اللَّه تعالى مزید التوفیق لما یحبّ ویرضى .