۵ / ۲ - ۴
عَدَمُ الاِختِلافِ
الكتاب
(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَفًا كَثِيرًا ). ۱
الحديث
۳۰۶.الإمام عليّ عليه السلام: اللَّهُ سُبحانَهُ يَقولُ : (مَّا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَبِ مِن شَىْءٍ) ۲ وفيهِ تِبيانٍ لِكُلِّ شَيءٍ ، وذَكَرَ أنَّ الكِتابَ يُصَدِّقُ بَعضُهُ بَعضاً ، وأنَّهُ لَا اختِلافَ فيهِ ، فَقالَ سُبحانَهُ : (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَفًا كَثِيرًا ) ، وأنَّ القُرآنَ ظاهِرُهُ أنيقٌ ، وباطِنُهُ عَميقٌ ، لا تَفنى عَجائِبُهُ ، ولا تَنقَضي غَرائِبُهُ ، ولا تُكشَفُ الظُّلُماتُ إلّا بِهِ . ۳
۵ / ۲ - ۵
الجَوابُ عَمّا يُوهِمُ الاِختِلافَ
۳۰۷.التوحيد عن محمّد بن الحسن بن عبد العزيز الأحدب : وَجَدتُ في كِتابِ أبي بِخَطِّهِ : حَدَّثَنا طَلحَةُ بنُ يَزيدَ عَن عُبَيدِ اللَّهِ بنِ عُبَيدٍ عَن أبي مَعَمَرٍ السَّعدانِيِّ ، أنَّ رَجُلاً أتى أميرَ المُؤمِنينَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَقالَ: يا أميرَ المُؤمِنينَ! إنّي قَد شَكَكتُ في كِتابِ اللَّهِ المُنزَلِ.
قالَ لَهُ عليه السلام : ... وكَيفَ شَكَكتَ في كِتابِ اللَّهِ المُنزَلِ؟
قالَ: لِأَنّي وَجَدتُ الكِتابَ يُكَذِّبُ بَعضُهُ بَعضاً ، فَكَيفَ لا أشُكُّ فيهِ؟
فَقالَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام: إنَّ كِتابَ اللَّهِ لَيُصَدِّقُ بَعضُهُ بَعضاً ، ولا يُكَذِّبُ بَعضُهُ بَعضاً ، ولكِنَّكَ لَم تُرزَق عَقلاً تَنتَفِعُ بِهِ ، فَهاتِ ما شَكَكتَ فيهِ مِن كِتابِ اللَّهِ عزّ وجلّ!
قالَ لَهُ الرَّجُلُ: إنّي وَجَدتُ اللَّهَ يَقولُ: (فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا) ۴ ، وقالَ أيضاً: (نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) ۵ ، وقالَ: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) ۶ ، فَمَرَّةً يُخبِرُ أنَّهُ يَنسى ، ومَرَّةً يُخبِرُ أنَّهُ لا يَنسى ، فَأَنّى ذلِكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ؟
قالَ: هاتِ ما شَكَكتَ فيهِ أيضاً!
قالَ: وأجِدُ اللَّهَ يَقولُ: (وَيَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلَئِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ قَالَ صَوَابًا ) ۷ ، وقالَ - وَاستُنطِقوا فَقالوا - : (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) ۸ ، وقالَ: (يَوْمَ الْقِيَمَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا) ۹ ، وقالَ: (إِنَّ ذَ لِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ) . ۱۰ ، وقالَ: (لَا تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ ) ۱۱ ، وقالَ: (نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَ هِهِمْ وَ تُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) ۱۲ ؛ فَمَرَّةً يُخبِرُ أنَّهُم يَتَكَلَّمونَ ، ومَرَّةً يُخبِرُ أنَّهُم لا يَتَكَلَّمونَ إلّا مَن أذِنَ لَهُ الرَّحمنُ وقالَ صَواباً ، ومَرَّةً يُخبِرُ أنَّ الخَلقَ لا يَنطِقونَ ويَقولُ عَن مَقالَتِهِم: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) ، ومَرَّةً يُخبِرُ أنَّهُم يَختَصِمونَ ، فَأَنّى ذلِكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وكَيفَ لا أشُكُّ فيما تَسمَعُ؟!
قالَ: هاتِ - وَيحَكَ - ما شَكَكتَ فيهِ!
قالَ: وأجِدُ اللَّهَ عزّ وجلّ يَقولُ: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) ۱۳ ، ويَقولُ: (لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَرُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَرَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) ۱۴ ، ويَقولُ: (وَ لَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى ) ۱۵ ، ويَقولُ: (يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ رَضِىَ لَهُ قَوْلًا * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ مَا خَلْفَهُمْ وَ لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) ۱۶ ، ومَن أدرَكَهُ الأَبصارُ فَقَد أحاطَ بِهِ العِلمُ ، فَأَنّى ذلِكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وكَيفَ لا أشُكُّ فيما تَسمَعُ؟!
قالَ: هاتِ أيضاً - وَيحَكَ - ما شَكَكتَ فيهِ!
قالَ: وأجِدُ اللَّهَ تَبارَكَ وتَعالى يَقولُ: (وَ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاىِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ) ۱۷ ، وقالَ: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ) ۱۸ ، وقالَ: (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا)۱۹ ، وقالَ: (يَأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لِاَّزْوَ جِكَ وَ بَنَاتِكَ) ۲۰ ، وقالَ: (يَأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) ۲۱ ، فَأَنّى ذلِكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وكَيفَ لا أشُكُّ فيما تَسمَعُ؟!
قالَ: هاتِ - وَيحَكَ - ما شَكَكتَ فيهِ!
قالَ: وأجِدُ اللَّهَ جَلَّ ثَناؤُهُ يَقولُ: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) ۲۲ ، وقَد يُسَمِّي الإِنسانَ : سَميعاً، بَصيراً ، ومَلِكاً ، ورَبّاً ، فَمَرَّةً يُخبِرُ بِأَنَّ لَهُ أسامِيَ كَثيرَةً مُشتَرَكَةً ، ومَرَّةً يَقولُ: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) ، فَأَنّى ذلِكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وكَيفَ لا أشُكُّ فيما تَسمَعُ؟!
قالَ: هاتِ - وَيحَكَ - ما شَكَكتَ فيهِ!
قالَ: وَجَدتُ اللَّهَ تَبارَكَ وتَعالى يَقولُ: (وَ مَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِى الْأَرْضِ وَ لَا فِى السَّمَاءِ) ۲۳ ، ويَقولُ: (وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ) ۲۴ ، ويَقولُ : (كَلَّآ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ) ۲۵ ، كَيفَ يَنظُرُ إلَيهِم مَن يَحجُبُ عَنهُم ، وأنّى ذلِكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وكَيفَ لا أشُكُّ فيما تَسمَعُ؟!
قالَ: هاتِ أيضاً - وَيحَكَ - ما شَكَكتَ فيهِ!
قالَ: وأجِدُ اللَّهَ عزّ وجلّ يَقولُ: (ءَأَمِنتُم مَّن فِى السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ ) ۲۶ ، وقالَ: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) ۲۷ ، وقالَ: (وَهُوَ اللَّهُ فِى السَّمَوَ تِ وَفِى الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) ۲۸ ، وقالَ: (وَ الظَّهِرُ وَ الْبَاطِنُ) ۲۹ ، وقالَ: (وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ) ۳۰ ، وقالَ: (وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) . ۳۱ ، فَأَنّى ذلِكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وكَيفَ لا أشُكُّ فيما تَسمَعُ؟!
قالَ: هاتِ أيضاً - وَيحَكَ - ما شَكَكتَ فيهِ !
قالَ: وأجِدُ اللَّهَ جَلَّ ثَناؤُهُ يَقولُ: (وَ جَاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) ۳۲ ، وقالَ: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَ دَى كَمَا خَلَقْنَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) ۳۳ ، وقالَ: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِى ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَئِكَةُ) ۳۴ ، وقالَ: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَئِكَةُ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِىَ بَعْضُ ءَايَتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءَايَتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَنِهَا خَيْرًا) . ۳۵ ، فَمَرَّةً يَقولُ: (يَأْتِىَ رَبُّكَ) ، ومَرَّةً يَقولُ: (يَوْمَ يَأْتِىَ بَعْضُ ءَايَتِ رَبِّكَ) ، فَأَنّى ذلِكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وكَيفَ لا أشُكُّ فيما تَسمَعُ؟!
قالَ: هاتِ - وَيحَكَ - ما شَكَكتَ فيهِ!
قالَ: وأجِدُ اللَّهَ جَلَّ جَلالُهُ يَقولُ: (بَلْ هُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَفِرُونَ ) ۳۶ ، وذَكَرَ المُؤمِنينَ فَقالَ: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَقُواْ رَبِّهِمْ وَ أَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَ جِعُونَ ) ۳۷ ، وقالَ: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَمٌ) ۳۸ ، وقالَ: (مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ) ۳۹ ، وقالَ: (فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَلِحًا) ۴۰ ، فَمَرَّةً يُخبِرُ أنَّهُم يَلقَونَهُ ، ومَرَّةً أنَّهُ لا تُدرِكُهُ الأَبصارُ وهُوَ يُدرِكُ الأَبصارَ ، ومَرَّةً يَقولُ: (وَ لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) ، فَأَنّى ذلِكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وكَيفَ لا أشُكُّ فيما تَسمَعُ؟!
قالَ: هاتِ - وَيحَكَ - ما شَكَكتَ فيهِ!
قالَ : وأجِدُ اللَّهَ تَبارَكَ وتَعالى يَقولُ: (وَ رَءَا الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّواْ أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا) ۴۱ ، وقالَ: (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ) ۴۲ ، وقالَ: (وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ) ۴۳ ، فَمَرَّةً يُخبِرُ أنَّهُم يَظُنّونَ ، ومَرَّةً يُخبِرُ أنَّهُم يَعلَمونَ ، وَالظَّنُّ شَكٌّ ، فَأَنّى ذلِكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وكَيفَ لا أشُكُّ فيما تَسمَعُ ؟!
قالَ: هاتِ ما شَكَكتَ فيهِ!
قالَ: وأجِدُ اللَّهَ تَعالى يَقولُ: (وَ نَضَعُ الْمَوَ زِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَمَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيًْا) ۴۴ ، وقالَ: (فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَزْنًا ) ۴۵ ، وقالَ: (فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ) ۴۶ ، وقالَ: (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَ زِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَ مَنْ خَفَّتْ مَوَ زِينُهُ * فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بَِايَتِنَا يَظْلِمُونَ ) ۴۷ ، فَأَنّى ذلِكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وكَيفَ لا أشُكُّ فيما تَسمَعُ ؟!
قالَ: هاتِ - وَيحَكَ - ما شَكَكتَ فيهِ!
قالَ: وأجِدُ اللَّهَ تَعالى يَقولُ: (قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) ۴۸ ، وقالَ: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا) ۴۹ ، وقالَ: (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) ۵۰ ، وقالَ: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَئِكَةُ طَيِّبِينَ) ۵۱ ، وقالَ: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَئِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ ) ۵۲ ، فَأَنّى ذلِكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وكَيفَ لا أشُكُّ فيما تَسمَعُ؟! وقَد هَلَكتُ إن لَم تَرحَمني وتَشرَح لي صَدري فيما عَسى أن يَجرِيَ ذلِكَ عَلى يَدَيكَ ، فَإِن كانَ الرَّبُّ تَبارَكَ وتَعالى حَقّاً ، وَالكِتابُ حَقّاً ، وَالرُّسُلُ حَقّاً ، فَقَد هَلَكتُ وخَسِرتُ! وإن تَكُنِ الرُّسُلُ باطِلاً فَما عَلَيَّ بَأسٌ وقَد نَجَوتُ.
فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام: قُدّوسٌ رَبُّنا ، قُدّوسٌ تَبارَكَ وتَعالى عُلُوّاً كَبيراً ، نَشهَدُ أنَّهُ هُوَ الدّائِمُ الَّذي لا يَزولُ ، ولا نَشُكُّ فيهِ ، ولَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وهُوَ السَّميعُ البَصيرُ ، وأنَّ الكِتابَ حَقٌّ ، وَالرُّسُلَ حَقٌّ ، وأنَّ الثَّوابَ وَالعِقابَ حَقٌّ ، فَإِن رُزِقتَ زِيادَةَ إيمانٍ أو حُرِمتَهُ فَإِنَّ ذلِكَ بِيَدِ اللَّهِ ، إن شاءَ رَزَقَكَ وإن شاءَ حَرَمَكَ ذلِكَ ، ولكِن سَاُعَلِّمُكَ ما شَكَكتَ فيهِ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللَّهِ ؛ فَإِن أرادَ اللَّهُ بِكَ خَيراً أعلَمَكَ بِعِلمِهِ وثَبَّتَكَ ، وإن يَكُن شَرّاً ضَلَلتَ وهَلَكتَ.
أمّا قَولُهُ: (نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) إنَّما يَعني نَسُوا اللَّهَ في دارِ الدُّنيا لَم يَعمَلوا بِطاعَتِهِ ، فَنَسِيَهُم فِي الآخِرَةِ أي لَم يَجعَل لَهُم في ثَوابِهِ شَيئاً فَصاروا مَنسِيّينَ مِنَ الخَيرِ ، وكَذلِكَ تَفسيرُ قَولِهِ عزّ وجلّ: (فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا) يَعني بِالنِّسيانِ أنَّهُ لَم يُثِبهُم كَما يُثيبُ أولِياءَهُ الَّذين كانوا في دارِ الدُّنيا مُطيعينَ ذاكِرينَ حينَ آمَنوا بِهِ وبِرُسُلِهِ وخافوهُ بِالغَيبِ. وأمّا قَولُهُ: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) فَإِنَّ رَبَّنا تَبارَكَ وتَعالى عُلُوّاً كَبيراً لَيسَ بِالَّذي يَنسى ولا يَغفُلُ ، بَل هُوَ الحَفيظُ العَليمُ ، وقَد يَقولُ العَرَبُ في بابِ النِّسيانِ قَد نَسِيَنا فُلانٌ فَلا يَذكُرُنا ، أي أنَّهُ لا يَأمُرُ لَنا بِخَيرٍ ولا يَذكُرُنا بِهِ ، فَهَل فَهِمتَ ما ذَكَرَ اللَّهُ عزّ وجلّ ؟
قالَ: نَعَم ، فَرَّجتَ عَنّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنكَ ، وحَلَلتَ عَنّي عُقدَةً فَعَظَّمَ اللَّهُ أجرَكَ.
فَقالَ: وأمّا قَولُهُ: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلَئِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ قَالَ صَوَابًا ) ، وقَولُهُ: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) ، وقَولُهُ: (يَوْمَ الْقِيَمَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا) ، وقَولُهُ: (إِنَّ ذَ لِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ) ، وقَولُهُ: (لَا تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ ) ، وقَولُهُ: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَ هِهِمْ وَ تُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) فَإِنَّ ذلِكَ في مَواطِنَ غَيرِ واحِدٍ مِن مَواطِنِ ذلِكَ اليَومِ الَّذي كانَ مِقدارُهُ خَمسينَ ألفَ سَنَةٍ ، يَجمَعُ اللَّهُ عزّ وجلّ الخَلائِقَ يَومَئِذٍ في مَواطِنَ يَتَفَرَّقونَ ، ويُكَلِّمُ بَعضُهُم بَعضاً ، ويَستَغفِرُ بَعضُهُم لِبَعضٍ؛ اُولئِكَ الَّذينَ كانَ مِنهُمُ الطّاعَةُ فِي دارِ الدُّنيا لِلرُّؤَساءِ وَالاِتِّباعُ ۵۳ ، ويَلعَنُ أهلَ المَعاصِي ۵۴ الَّذينَ بَدَت مِنهُمُ البَغضاءُ وتَعاوَنوا عَلَى الظُّلمِ وَالعُدوانِ في دارِ الدُّنيا ، المُستَكبِرينَ وَالمُستَضعَفينَ ، يَكفُرُ بَعضُهُم بِبَعضٍ ويَلعَنُ بَعضُهُم بَعضاً ، وَالكُفرُ في هذِهِ الآيَةِ البَراءَةُ ؛ يَقولُ: يَبرَأُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ ، ونَظيرُها في سورَةِ إبراهيمَ قَولُ الشَّيطانِ: (إِنِّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ) ۵۵ ، وقَولُ إبراهيمَ خَليلِ الرَّحمنِ : (كَفَرْنَا بِكُمْ) ۵۶ يَعني تَبَرَّأنا مِنكُم.
ثُمَّ يَجتَمِعونَ في مَوطِنٍ آخَرَ يَبكونَ فيهِ ، فَلَو أنَّ تِلكَ الأَصواتَ بَدَت لِأَهلِ الدُّنيا لَأَذهَلَت جَميعَ الخَلقِ عَن مَعائِشِهِم ، ولَتَصَدَّعَت قُلوبُهُم إلّا ما شاءَ اللَّهُ ، فَلا يَزالونَ يَبكونَ الدَّمَ.
ثُمَّ يَجتَمِعونَ في مَوطِنٍ آخَرَ فَيُستَنطَقونَ فيهِ فَيَقولونَ: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) ، فَيَختِمُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى عَلى أفواهِهِم ، ويَستَنطِقُ الأَيدِيَ وَالأَرجُلَ وَالجُلودَ فَتَشهَدُ بِكُلِّ مَعصِيَةٍ كانَت مِنهُم ، ثُمَّ يَرفَعُ عَن ألسِنَتِهِمُ الخَتمَ فَيَقولونَ لِجُلودِهِم: (لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُواْ أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْءٍ) . ۵۷
ثُمَّ يَجتَمِعونَ في مَوطِنٍ آخَرَ فَيُستَنطَقونَ فَيَفِرُّ بَعضُهُم مِن بَعضٍ ، فَذلِكَ قَولُهُ عزّ وجلّ : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ * وَ صَحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ ) ۵۸ ، فَيُستَنطَقونَ فَلا يَتَكَلَّمونَ إلّا مَن أذِنَ لَهُ الرَّحمنُ وقالَ صَواباً ۵۹ ، فَيَقومُ الرُّسُلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِم ، فَيَشهَدونَ في هذَا المَوطِنِ ، فَذلِكَ قَولُهُ : (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةِ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ) . ۶۰
ثُمَّ يَجتَمِعونَ في مَوطِنٍ آخَرَ يَكونُ فيهِ مَقامُ مُحَمَّدٍ صلى اللَّه عليه و آله ، وهُوَ المَقامُ المَحمودُ ، فَيُثني عَلَى اللَّهِ تَبارَكَ وتَعالى بِما لَم يُثنِ عَلَيهِ أحَدٌ قَبلَهُ ، ثُمَّ يُثني عَلَى المَلائِكَةِ كُلِّهِم فَلا يَبقى مَلَكٌ إلّا أثنى عَلَيهِ مُحَمَّدٌ صلى اللَّه عليه و آله ، ثُمَّ يُثني عَلَى الرُّسُلِ بِما لَم يُثنِ عَلَيهِم أحَدٌ قَبلَهُ ، ثُمَّ يُثني عَلى كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ ؛ يَبدَأُ بِالصِّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ ثُمَّ بِالصّالِحينَ ، فَيَحمَدُهُ أهلُ السَّماواتِ وَالأَرضِ ، فَذلِكَ قَولُهُ : (عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ) ۶۱ ، فَطوبى لِمَن كانَ لَهُ في ذلِكَ المَقامِ حَظٌّ ، ووَيلٌ لِمَن لَم يَكُن لَهُ في ذلِكَ المَقامِ حَظٌّ ولا نَصيبٌ .
ثُمَّ يَجتَمِعونَ في مَوطِنٍ آخَرَ ويُدالُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ ، وهذا كُلُّهُ قَبلَ الحِسابِ ، فَإِذا اُخِذَ فِي الحِسابِ شُغِلَ كُلُّ إنسانٍ بِما لَدَيهِ ، نَسأَلُ اللَّهَ بَرَكَةَ ذلِكَ اليَومِ.
قالَ: فَرَّجتَ عَنّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، وحَلَلتَ عَنّي عُقدَةً فَعَظَّمَ اللَّهُ أجرَكَ.
فَقالَ عليه السلام: وأمّا قَولُهُ عزّ وجلّ: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) ، وقَولُهُ: (لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَرُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَرَ) ، وقَولُهُ: (وَ لَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى ) ، وقَولُهُ: (يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ رَضِىَ لَهُ قَوْلًا * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ مَا خَلْفَهُمْ وَ لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) ؛ فَأَمّا قَولُهُ: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) ، فَإِنَّ ذلِكَ في مَوضِعٍ يَنتَهي فيهِ أولِياءُ اللَّهِ عزّ وجلّ بَعدَما يَفرُغُ مِنَ الحِسابِ إلى نَهرٍ يُسَمَّى الحَيَوانُ ، فَيَغتَسِلونَ فيهِ ويَشرَبونَ مِنهُ فَتَنضُرُ وُجوهُهُم إشراقاً فَيَذهَبُ عَنهُم كُلُّ قَذىً ووَعثٍ ، ثُمَّ يُؤمَرونَ بِدُخولِ الجَنَّةِ ، فَمِن هذَا المَقامِ يَنظُرونَ إلى رَبِّهِم كَيفَ يُثيبُهُم ومِنهُ يَدخُلونَ الجَنَّةَ ، فَذلِكَ قَولُهُ عزّ وجلّ مِن تَسليمِ المَلائِكَةِ عَلَيهِم: (سَلَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَلِدِينَ ) ۶۲ ، فَعِندَ ذلِكَ أيقَنوا بِدُخولِ الجَنَّةِ وَالنَّظَرِ إلى ما وَعَدَهُم رَبُّهُم ، فَذلِكَ قَولُهُ: (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) وإنَّما يَعني بِالنَّظَرِ إلَيهِ النَّظَرَ إلى ثَوابِهِ تَبارَكَ وتَعالى.
وأمّا قَولُهُ: (لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَرُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَرَ) ، فَهُوَ كَما قالَ: (لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَرُ) يَعني لا تُحيطُ بِهِ الأَوهامُ (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَرَ) يَعني يُحيطُ بِها (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ، وذلِكَ مَدحٌ امتَدَحَ بِهِ رَبُّنا نَفسَهُ تَبارَكَ وتَعالى وتَقَدَّسَ عُلُوّاً كَبيراً ، وقَد سَأَلَ موسى عليه السلام وجَرى عَلى لِسانِهِ مِن حَمدِ اللَّهِ عزّ وجلّ: (رَبِّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ) ۶۳ ، فَكانَت مَسأَلَتُهُ تِلكَ أمراً عَظيماً وسَأَلَ أمراً جَسيماً فَعوقِبَ ، فَقالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى: لَن تَراني ... فَانظُر (إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِى) فَأَبدَى اللَّهُ سُبحانَهُ بَعضَ آياتِهِ وتَجَلّى رَبُّنا لِلجَبَلِ فَتَقَطَّعَ الجَبلُ فَصارَ رَميماً ، وخَرَّ موسى صَعِقاً ؛ يَعني مَيِّتاً ، فَكانَ عُقوبَتُهُ المَوتَ ، ثُمَّ أحياهُ اللَّهُ وبَعَثَهُ وتابَ عَلَيهِ فَقالَ: (سُبْحَنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) يَعني أوَّلَ مُؤمِنٍ آمَنَ بِكَ مِنهُم أنَّهُ لَن يَراكَ.
وأمّا قَولُهُ: (وَ لَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى ) يَعني مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه و آله كانَ عِندَ سِدرَةِ المُنتَهى حَيثُ لا يَتَجاوَزُها خَلقٌ مِن خَلقِ اللَّهِ ، وقَولُهُ في آخِرِ الآيَةِ: (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَ مَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) رَأى جَبرَئيلَ عليه السلام في صورَتِهِ مَرَّتَينِ هذِهِ المَرَّةَ ومَرَّةً اُخرى ، وذلِكَ أنَّ خَلقَ جَبرَئيلَ عَظيمٌ ؛ فَهُوَ مِنَ الرّوحانِيّينَ الَّذينَ لا يُدرِكُ خَلقَهُم وصِفَتَهُم إلَّا اللَّهُ رَبُّ العالَمينَ.
وأمّا قَولُهُ: (يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ رَضِىَ لَهُ قَوْلًا * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ مَا خَلْفَهُمْ وَ لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) لا يُحيطُ الخَلائِقُ بِاللَّهِ عزّ وجلّ عِلماً إذ هُوَ تَبارَكَ وتَعالى جَعَلَ عَلى أبصارِ القُلوبِ الغِطاءَ ، فَلا فَهمٌ يَنالُهُ بِالكَيفِ ولا قَلبٌ يُثبِتُهُ بِالحُدودِ ، فَلا يَصِفُهُ إلّا كَما وَصَفَ نَفسَهُ ، لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وهُوَ السَّميعُ البَصيرُ ، الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظّاهِرُ وَالباطِنُ ، الخالِقُ البارِئُ المُصَوِّرُ ، خَلَقَ الأَشياءَ فَلَيسَ مِنَ الأَشياءِ شَيءٌ مِثلَهُ تَبارَكَ وتَعالى .
فَقالَ: فَرَّجتَ عَنّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنكَ ، وحَلَلتَ عَنّي عُقدَةً فَأَعظَمَ اللَّهُ أجرَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ.
فَقالَ عليه السلام: وأمّا قَولُهُ : (وَ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاىِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ) ، وقَولُهُ: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ) ، وقَولُهُ: (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا) ، وقَولُهُ: (يََادَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ) ؛ فَأَمّا قَولُهُ: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاىِ حِجَابٍ) فَإِنَّهُ ما يَنبَغي لِبَشَرٍ أن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلّا وَحياً ، ولَيسَ بِكائِنٍ إلّا مِن وَراءِ حِجابٍ أو يُرسِلَ رَسولاً فَيوحِيَ بِإِذنِهِ ما يَشاءُ ، كَذلِكَ قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى عُلُوّاً كَبيراً ، قَد كانَ الرَّسولُ يوحى إلَيهِ مِن رُسُلِ السَّماءِ فَيُبَلِّغُ رُسُلُ السَّماءِ رُسُلَ الأَرضِ ، وقَد كانَ الكَلامُ بَينَ رُسُلِ أهلِ الأَرضِ وبَينَهُ مِن غَيرِ أن يُرسِلَ بِالكَلامِ مَعَ رُسُلِ أهلِ السَّماءِ .
وقَد قالَ رَسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه و آله: يا جَبرَئيلُ هَل رَأَيتَ رَبَّكَ؟
فَقالَ جَبرَئيلُ : إنَّ رَبّي لا يُرى .
فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه و آله: فَمِن أينَ تَأخُذُ الوَحيَ؟
فَقالَ: آخُذُهُ مِن إسرافيلَ .
فَقالَ: ومِن أينَ يَأخُذُهُ إسرافيلُ؟
قالَ: يَأخُذُهُ مِن مَلَكٍ فَوقَهُ مِنَ الرّوحانِيّينَ .
قالَ: فَمِن أينَ يَأخُذُهُ ذلِكَ المَلَكُ؟ قالَ: يُقذَفُ في قَلبِهِ قَذفاً.
فَهذا وَحيٌ ، وهُوَ كَلامُ اللَّهِ عزّ وجلّ ، وكَلامُ اللَّهِ لَيسَ بِنَحوٍ واحِدٍ ؛ مِنهُ ما كَلَّمَ اللَّهُ بِهِ الرُّسُلَ ، ومِنهُ ما قَذَفَهُ في قُلوبِهِم ، ومِنهُ رُؤيا يُريهَا الرُّسُلَ ، ومِنهُ وَحيٌ وتَنزيلٌ يُتلى ويُقرَأُ ، فَهُوَ كَلامُ اللَّهِ ، فَاكتَفِ بِما وَصَفتُ لَكَ مِن كَلامِ اللَّهِ ، فَإِنَّ مَعنى كَلامِ اللَّهِ لَيسَ بِنَحوٍ واحِدٍ ، فَإِنَّ مِنهُ ما يُبَلِّغُ بِهِ رُسُلُ السَّماءِ رُسُلَ الأَرضِ.
قالَ: فَرَّجتَ عَنّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنكَ ، وحَلَلتَ عَنّي عُقدَةً فَعَظَّمَ اللَّهُ أجرَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ.
فَقالَ عليه السلام: وأمّا قَولُهُ: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ) فَإِنَّ تَأويلَهُ : هَل تَعلَمُ أحَداً اسمُهُ اللَّهُ غَيرَ اللَّهِ تَبارَكَ وتَعالى؟ فَإِيّاكَ أن تُفَسِّرَ القُرآنَ بِرَأيِكَ حَتّى تَفقَهَهُ عَنِ العُلَماءِ ، فَإِنَّهُ رُبَّ تَنزيلٍ يُشبِهُ كَلامَ البَشَرِ وهُوَ كَلامُ اللَّهِ ، وتَأويلُهُ لا يُشبِهُ كَلامَ البَشَرِ ، كَما لَيسَ شَيءٌ مِن خَلقِهِ يُشبِهُهُ ، كَذلِكَ لا يُشبِهُ فِعلُهُ تَبارَكَ وتَعالى شَيئاً مِن أفعالِ البَشَرِ ، ولا يُشبِهُ شَيءٌ مِن كَلامِهِ كَلامَ البَشَرِ ، فَكَلامُ اللَّهِ تَبارَكَ وتَعالى صِفَتُهُ وكَلامُ البَشَرِ أفعالُهُم ، فَلا تُشَبِّه كَلامَ اللَّهِ بِكَلامِ البَشَرِ فَتَهلِكَ وتَضِلَّ .
قالَ: فَرَّجتَ عَنّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنكَ ، وحَلَلتَ عَنّي عُقدَةً فَعَظَّمَ اللَّهُ أجرَكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ.
فَقالَ عليه السلام: وأمّا قَولُهُ: (وَ مَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِى الْأَرْضِ وَ لَا فِى السَّمَاءِ) كَذلِكَ رَبُّنا لا يَعزُبُ عَنهُ شَيءٌ ، وكَيفَ يَكونُ مَن خَلَقَ الأَشياءَ لا يَعلَمُ ما خَلَقَ وهُوَ الخَلّاقُ العَليمُ!
وأمّا قَولُهُ: (لَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ) يُخبِرُ أنَّهُ لا يُصيبُهُم بِخَيرٍ ، وقَد تَقولُ العَرَبُ: وَاللَّهِ ما يَنظُرُ إلَينا فُلانٌ ، وإنَّما يَعنونَ بِذلِكَ أنَّهُ لا يُصيبُنا مِنهُ بِخَيرٍ ، فَذلِكَ النَّظَرُ ههُنا مِنَ اللَّهِ تَعالى إلى خَلقِهِ ، فَنَظَرُهُ إلَيهِم رَحمَةٌ مِنهُ لَهُم . وأمّا قَولُهُ : (كَلَّآ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ) فَإِنَّما يَعني بِذلِكَ يَومَ القِيامَةِ أنَّهُم عَن ثَوابِ رَبِّهِم مَحجوبونَ .
قالَ: فَرَّجتَ عَنّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنكَ ، وحَلَلتَ عَنّي عُقدَةً فَعَظَّمَ اللَّهُ أجرَكَ.
فَقالَ عليه السلام: وأمّا قَولُهُ: (ءَأَمِنتُم مَّن فِى السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ ) ، وقَولُهُ: (وَهُوَ اللَّهُ فِى السَّمَوَ تِ وَفِى الْأَرْضِ) ، وقَولُهُ: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) ، وقَولُهُ: (وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ) ، وقَولُهُ: (وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) فَكَذلِكَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالى سُبّوحاً قُدّوساً تَعالى أن يَجرِيَ مِنهُ ما يَجري مِنَ المَخلوقينَ وهُوَ اللَّطيفُ الخَبيرُ ، وأجَلُّ وأكبَرُ أن يَنزِلَ بِهِ شَيءٌ مِمّا يَنزِلُ بِخَلقِهِ وهُوَ عَلَى العَرشِ استَوى عِلمُهُ ، شاهِدٌ لِكُلِّ نَجوى ، وهُوَ الوَكيلُ عَلى كُلِّ شَيءٍ ، وَالمُيَسِّرُ لِكُلِّ شَيءٍ ، وَالمُدَبِّرُ لِلأَشياءِ كُلِّها ، تَعالَى اللَّهُ عَن أن يَكونَ عَلى عَرشِهِ عُلُوّاً كَبيراً.
فَقالَ عليه السلام : ۶۴ وأمّا قَولُهُ: (وَ جَاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) ، وقَولُهُ: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَ دَى كَمَا خَلَقْنَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) ، وقَولُهُ: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِى ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلاَئِكَةُ) ، وقَولُهُ : (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلاَئِكَةُ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِىَ بَعْضُ ءَايَتِ رَبِّكَ) فَإِنَّ ذلِكَ حَقٌّ كَما قالَ اللَّهُ عزّ وجلّ ، ولَيسَ لَهُ جيئَةٌ كَجيئَةِ الخَلقِ ، وقَد أعلَمتُكَ أنَّ رُبَّ شَيءٍ مِن كِتابِ اللَّهِ تَأويلُهُ عَلى غَيرِ تَنزيلِهِ ولا يُشبِهُ كَلامَ البَشَرِ ، وسَاُنَبِّئُكَ بِطَرفٍ مِنهُ فَتَكتَفي إن شاءَ اللَّهُ :
مِن ذلِكَ قَولُ إبراهيمَ عليه السلام : (إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى سَيَهْدِينِ ) ۶۵ ، فَذَهابُهُ إلى رَبِّهِ تَوَجُّهُهُ إلَيهِ عِبادَةً وَاجتِهاداً وقُربَةً إلَى اللَّهِ جَلَّ وعَزَّ ، ألا تَرى أنَّ تَأويلَهُ غَيرُ تَنزيلِهِ؟! وقالَ: (وَ أَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) ۶۶ ، يَعنِي السِّلاحَ وغَيرَ ذلِكَ. وقَولُهُ: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلاَئِكَةُ) يُخبِرُ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه و آله عَنِ المُشرِكينَ وَالمُنافِقينَ الَّذينَ لَم يَستَجيبوا للَّهِِ ولِلرَّسولِ ، فَقالَ: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلاَئِكَةُ) حَيثُ لَم يَستَجيبوا للَّهِِ ولِرَسولِهِ (أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِىَ بَعْضُ ءَايَتِ رَبِّكَ) يَعني بِذلِكَ العَذابَ يَأتيهِم في دارِ الدُّنيا كَما عَذَّبَ القُرونَ الاُولى ، فَهذا خَبَرٌ يُخبِرُ بِهِ النَّبِيَّ صلى اللَّه عليه و آله عَنهُم. ثُمَّ قالَ: (يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءَايَتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَنِهَا خَيْرًا) يَعني مِن قَبلِ أن يَجيءَ هذِهَ الآيَةُ ، وهذِهِ الآيَةُ طُلوعُ الشَّمسِ مِن مَغرِبِها ، وإنَّما يَكتَفي اُولُو الأَلبابِ وَالحِجى واُولُو النُّهى أن يَعلَموا أنَّهُ إذَا انكَشَفَ الغِطاءُ رَأَوا ما يوعَدونَ . وقالَ في آيَةٍ اُخرى: (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ) ۶۷ يَعني أرسَلَ عَلَيهِم عَذاباً ، وكَذلِكَ إتيانُهُ بُنيانَهُم ، قالَ اللَّهُ عزّ وجلّ: (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَنَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ) ۶۸ فَإِتيانُهُ بُنيانَهُم مِنَ القَواعِدِ إرسالُ العَذابِ عَلَيهِم . وكَذلِكَ ما وَصَفَ مِن أمرِ الآخِرَةِ تَبارَكَ اسمُهُ وتَعالى عُلُوّاً كَبيراً أنَّهُ يَجري اُمورُهُ في ذلِكَ اليَومِ الَّذي كانَ مِقدارُهُ خَمسينَ ألفَ سَنَةٍ كَما يَجري اُمورُهُ فِي الدُّنيا ، لا يَغيبُ ولا يَأفِلُ مَعَ الآفِلينَ . فَاكتَفِ بِما وَصَفتُ لَكَ مِن ذلِكَ مِمّا جالَ في صَدرِكَ مِمّا وَصَفَ اللَّهُ عزّ وجلّ في كِتابِهِ ، ولا تَجعَل كَلامَهُ كَكَلامِ البَشَرِ ، هُوَ أعظَمُ وأجَلُّ وأكرَمُ وأعَزُّ ، تَبارَكَ وتَعالى مِن أن يَصِفَهُ الواصِفونَ إلّا بِما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ في قَولِهِ عزّ وجلّ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) . ۶۹
قالَ: فَرَّجتَ عَنّي يا أميرَ المُؤمِنينَ فَرَّجَ اللَّهُ عَنكَ ، وحَلَلتَ عَنّي عُقدَةً.
فَقالَ عليه السلام: وأمّا قَولُهُ: (بَلْ هُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَفِرُونَ ) ، وذَكَرَ اللَّهُ المُؤمِنينَ : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَقُواْ رَبِّهِمْ) ، وقَولُهُ لِغَيرِهِم : (إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ) ۷۰ ، وقَولُهُ: (فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَلِحًا) ؛ فَأَمّا قَولُهُ: (بَلْ هُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَفِرُونَ ) يَعنِي البَعثَ ، فَسَمّاهُ اللَّهُ عزّ وجلّ لِقاءَهُ ، وكَذلِكَ ذَكَرَ المُؤمِنينَ (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَقُواْ رَبِّهِمْ) يَعني يوقِنونَ أنَّهُم يُبعَثونَ ويُحشَرونَ ويُحاسَبونَ ويُجزَونَ بِالثَّوابِ وَالعِقابِ ، فَالظَّنُّ ههُنَا اليَقينُ خاصَّةً ، وكَذلِكَ قَولُهُ: (فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَلِحًا) وقَولُهُ: (مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَأَتٍ) يَعني: مَن كانَ يُؤمِنُ بِأَنَّهُ مَبعوثٌ فَإِنَّ وَعدَ اللَّهِ لَآتٍ مِنَ الثَّوابِ وَالعِقابِ ، فَاللِّقاءُ ههُنا لَيسَ بِالرُّؤيَةِ ، وَاللِّقاءُ هُوَ البَعثُ ، فَافهَم جَميعَ ما في كِتابِ اللَّهِ مِن لِقائِهِ فَإِنَّهُ يَعني بِذلِكَ البَعثَ ، وكَذلِكَ قَولُهُ: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَمٌ) يَعني أنَّهُ لا يَزولُ الإِيمانُ عَن قُلوبِهِم يَومَ يُبعَثونَ .
قالَ: فَرَّجتَ عَنّي يا أميرَ المُؤمِنينَ فَرَّجَ اللَّهُ عَنكَ ، فَقَد حَلَلتَ عَنّي عُقدَةً.
فَقالَ عليه السلام: وأمّا قَولُهُ: (وَ رَءَا الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّواْ أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا) يَعني أيقَنوا أنَّهُم داخِلوها ، وكَذلِكَ قَولُهُ: (إِنِّى ظَنَنتُ أَنِّى مُلَقٍ حِسَابِيَهْ) يَقولُ : إنّي أيقَنتُ أنّي اُبعَثُ فَاُحاسَبُ ، وكَذلِكَ قَولُهُ: (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ) ، وأمّا قَولُهُ لِلمُنافِقينَ: (وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ) فَهذَا الظَّنُّ ظَنُّ شَكٍّ ولَيسَ ظَنَّ يَقينٍ ، وَالظَّنُّ ظَنّانِ : ظَنُّ شَكٍّ وظَنُّ يَقينٍ ، فَما كانَ مِن أمرِ مَعادٍ مِنَ الظَّنِّ فَهُوَ ظَنُّ يَقينٍ ، وما كانَ مِن أمرِ الدُّنيا فَهُوَ ظَنُّ شَكٍّ ، فَافهَم ما فَسَّرتُ لَكَ .
قالَ: فَرَّجتَ عَنّي يا أميرَ المُؤمِنينَ فَرَّجَ اللَّهُ عَنكَ.
فَقالَ عليه السلام: وأمّا قَولُهُ تَبارَكَ وتَعالى: (وَ نَضَعُ الْمَوَ زِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَمَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيًْا) فَهُوَ ميزانُ العَدلِ يُؤخَذُ بِهِ الخَلائِقُ يَومَ القِيامَةِ ، يَدينُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى الخَلقَ بَعضَهُم مِن بَعضٍ بِالمَوازينِ . ۷۱
وأمّا قَولُهُ عزّ وجلّ : (فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَزْنًا ) فَإِنَّ ذلِكَ خاصَّةٌ. وأمّا قَولُهُ: (فَأُوْلاَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ) فَإِنَّ رَسولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه و آله قالَ: قالَ اللَّهُ عزّ وجلّ: لَقَد حَقَّت كَرامَتي - أو قالَ: مَوَدَّتي - لِمَن يُراقِبُني ويَتَحابُّ بِجَلالي ، إنَّ وُجوهَهُم يَومَ القِيامَةِ مِن نورٍ عَلى مَنابِرَ مِن نورٍ ، عَلَيهِم ثِيابٌ خُضرٌ .
قيلَ: مَن هُم يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: قَومٌ لَيسوا بِأَنبِياءَ ولا شُهَداءَ ، ولكِنَّهُم تَحابّوا بِجَلالِ اللَّهِ ويَدخُلونَ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسابٍ ، نَسأَلُ اللَّهَ عزّ وجلّ أن يَجعَلَنا مِنهُم بِرَحمَتِهِ.
وأمّا قَولُهُ: (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَ زِينُهُ) و (خَفَّتْ مَوَ زِينُهُ) فَإِنَّما يَعنِي الحِسابَ ، توزَنُ الحَسَناتُ وَالسَّيِّئاتُ ، وَالحَسَناتُ ثِقلُ الميزانِ وَالسَّيِّئاتُ خِفَّةُ الميزانِ. ۷۲
فَقالَ عليه السلام: وأمّا قَولُهُ : (قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) ، وقَولُهُ: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا) ، وقَولُهُ: (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) ، وقَولُهُ: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ) ، وقَولُهُ: (تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَمٌ عَلَيْكُمُ) فَإِنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وتَعالى يُدَبِّرُ الاُمورَ كَيفَ يَشاءُ ، ويُوَكِّلُ مِن خَلقِهِ مَن يَشاءُ بِما يَشاءُ ، أمّا مَلَكُ المَوتِ فَإِنَّ اللَّهَ يُوَكِّلُهُ بِخاصَّةِ مَن يَشاءُ مِن خَلقِهِ ، ويُوَكِّلُ رُسُلَهُ مِنَ المَلائِكَةِ خاصَّةً بِمَن يَشاءُ مِن خَلقِهِ ، وَالمَلائِكَةُ الَّذينَ سَمّاهُمُ اللَّهُ عَزَّ ذِكرُهُ وَكَّلَهُم بِخاصَّةِ مَن يَشاءُ مِن خَلقِهِ ، إنَّهُ تَبارَكَ وتَعالى يُدَبِّرُ الاُمورَ كَيفَ يَشاءُ ، ولَيسَ كُلُّ العِلمِ يَستَطيعُ صاحِبُ العِلمِ أن يُفَسِّرَهُ لِكُلِّ النّاسِ ، لِأَنَّ مِنهُمُ القَوِيَّ وَالضَّعيفَ ، ولِأَنَّ مِنهُ ما يُطاقُ حَملُهُ ومِنهُ ما لا يُطاقُ حَملُهُ ، إلّا مَن يُسَهِّلُ اللَّهُ لَهُ حَملَهُ وأعانَهُ عَلَيهِ مِن خاصَّةِ أولِيائِهِ ، وإنَّما يَكفيكَ أن تَعلَمَ أنَّ اللَّهَ هُوَ المُحيِي المُميتُ وأنَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ عَلى يَدَي مَن يَشاءُ مِن خَلقِهِ مِن مَلائِكَتِهِ وغَيرِهِم.
قالَ: فَرَّجتَ عَنّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ونَفَعَ اللَّهُ المُسلِمينَ بِكَ.
فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام لِلرَّجُلِ : إن كُنتَ قَد شَرَحَ اللَّهُ صَدرَكَ بِما قَد بَيَّنتُ ۷۳ لَكَ فَأَنتَ وَالَّذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ مِنَ المُؤمِنينَ حَقّاً .
فَقالَ الرَّجُلُ: يا أميرَ المُؤمِنينَ ، كَيفَ لي أن أعلَمَ بِأَنّي مِنَ المُؤمِنينَ حَقّاً؟
قالَ عليه السلام: لا يَعلَمُ ذلِكَ إلّا مَن أعلَمَهُ اللَّهُ عَلى لِسانِ نَبِيِّهِ صلى اللَّه عليه و آله ، وشَهِدَ لَهُ رَسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه و آله بِالجَنَّةِ ، أو شَرَحَ اللَّهُ صَدرَهُ لِيَعلَمَ ما فِي الكُتُبِ الَّتي أنزَلَهَا اللَّهُ عزّ وجلّ عَلى رُسُلِهِ وأنبِيائِهِ.
قالَ: يا أميرَ المُؤمِنينَ ، ومَن يُطيقُ ذلِكَ؟
قالَ: مَن شَرَحَ اللَّهُ صَدرَهُ ووَفَّقَهُ لَهُ ، فَعَلَيكَ بِالعَمَلِ للَّهِِ في سِرِّ أمرِكَ وعَلانِيَتِكَ ؛ فَلا شَيءَ يَعدِلُ العَمَلَ. ۷۴
1.النساء : ۸۲ .
2.الأنعام : ۳۸ .
3.نهج البلاغة : الخطبة ۱۸ ، الاحتجاج : ج ۱ ص ۶۲۰ ح ۱۴۲ ، كشف اليقين : ص ۲۳۰ ح ۲۵۷ ، بحار الأنوار : ج ۲ ص ۲۸۴ ح ۱ .
4.الأعراف : ۵۱ .
5.التوبة : ۶۷ .
6.مريم : ۶۴ .
7.النبأ : ۳۸ .
8.الأنعام : ۲۳ ، وقوله : «واستُنطِقوا» أي بقوله تعالى في الآية ۲۲ : (ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) آخر الآية .
9.العنكبوت : ۲۵ .
10.ص : ۶۴ .
11.ق : ۲۸ .
12.يس : ۶۵ .
13.القيامة: ۲۲ و ۲۳ .
14.الأنعام : ۱۰۳ .
15.النجم : ۱۳ و ۱۴ .
16.طه :۱۰۹ و ۱۱۰ .
17.الشورى :۵۱ .
18.النساء : ۱۶۴ .
19.الأعراف : ۲۲ .
20.الأحزاب : ۵۹ .
21.المائدة : ۶۷ .
22.مريم : ۶۵ .
23.يونس : ۶۱ .
24.آل عمران : ۷۷ .
25.المطفّفين : ۱۵ .
26.الملك : ۱۶ .
27.طه : ۵ .
28.الأنعام : ۳ .
29.الحديد : ۳ .
30.الحديد : ۴ .
31.ق : ۱۶ .
32.الفجر : ۲۲ .
33.الأنعام : ۹۴ .
34.البقرة : ۲۱۰ .
35.الأنعام : ۱۵۸ .
36.السجدة : ۱۰ .
37.البقرة : ۴۶ .
38.الأحزاب : ۴۴ .
39.العنكبوت : ۵ .
40.الكهف : ۱۱۰ .
41.الكهف : ۵۳ .
42.النور : ۲۵ .
43.الأحزاب : ۱۰ .
44.الأنبياء : ۴۷ .
45.الكهف : ۱۰۵ .
46.غافر : ۴۰ .
47.الأعراف : ۸ و ۹ .
48.السجدة : ۱۱ .
49.الزمر : ۴۲ .
50.الأنعام : ۶۱ .
51.النحل :۳۲ .
52.النحل : ۲۸ .
53.الرؤساء من أهل الحقّ. والاتّباع مصدر عطف على الطاعة (هامش المصدر).
54.قوله: «ويلعن أهل المعاصي» عطف على «يجمع» ، وفاعله ضمير راجع إلى اللَّه عزّ وجلّ ، و «أهل المعاصي» مفعوله ، والموصول صفة لأهل المعاصي ، «المستكبرين والمستضعفين» صفتان بعد صفة ، و«يكفر» و «يلعن» حالان للمفعول (هامش المصدر) .
55.إبراهيم : ۲۲ .
56.الممتحنة : ۴ .
57.فصّلت : ۲۱ .
58.عبس : ۳۴ - ۳۶ .
59.إشارة إلى الآية ۳۸ في سورة النبأ .
60.النساء : ۴۱ .
61.الإسراء : ۷۹ .
62.الزمر : ۷۳ .
63.الأعراف : ۱۴۳ .
64.الظاهر أنّه سقط هنا قول الرجل لأمير المؤمنين عليه السلام : «فرّجتَ عنّي يا أمير المؤمنين ... إلخ» كما يقتضيه السياق .
65.الصافّات : ۹۹ .
66.الحديد : ۲۵ .
67.الحشر : ۲ .
68.النحل : ۲۶ .
69.الشورى : ۱۱ .
70.التوبة : ۷۷ .
71.ويضيف المصنّف (الشيخ الصدوق رحمه اللَّه عليه) هنا : «وَفي غَيرِ هذَا الحَديثِ : المَوازينُ هُمُ الأنبِياءُ والأوصِياءُ» .
72.الظاهر أنّه سقط هنا أيضاً قول الرجل : «فرّجت عنّي يا أمير المؤمنين ... إلخ» كما يقتضيه السياق .
73.في المصدر : «تبيّنتُ» ، والتصويب من بحار الأنوار .
74.التوحيد : ص ۲۵۵ ح ۵ ، الاحتجاج : ج ۱ ص ۵۶۱ ح ۱۳۷ نحوه ، بحار الأنوار : ج ۹۳ ص ۱۲۷ ح ۲ وراجع: تفسير العيّاشي : ج ۱ ص ۳۵۷ ح ۱۶ .