213
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس

للحقيقة مقام المسيح عليه‏السلام ويُسلّم له، فمن أنكره سيؤن به، ومن اعتقد بإلوهيّته سيقف على خطيئته.

الاحتمال الثالث: أن يعود الضمير في «به» إلى النبيّ الخاتم صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ؛ أي أنّ أهل الكتاب سيؤنون بالنبيّ محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله قبل موتهم. وضعّفه الطبريّ وقال: لو كان صحيحاً فلا يجب إجراء حكم الكافر على أموات أهل الكتاب۱، ولكنّ إشكاله ليس وارداً ؛ لأنّ إيمانهم بعد زوال التكليف وفي وقت لا يجديهم نفعاً.

أمّا ضعف هذا الاحتمال فهو لعدم ذكر محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله في هذه الآيات لكي نرجع الضمير إليه، ولكن جاء اسم عيسى عليه‏السلام، والأجدر أن يكون هو المقصود.۲

ومثلما ضعّف الطبرسيّ الاحتمال الثالث، فينبغي اعتبار الاحتمال الثاني ضعيفاً أيضاً ؛ لأنّه لاطائل لأهل الكتاب من إيمانهم عند الموت، ولا يعدّ سبباً لذكر مثل هذا الإيمان، كما تخبر الأحاديث الإسلاميّة بأنّ الكفّار لا يؤنون حين مشاهدة الموت، فعند رؤة شرائطه وانكشاف الحجب عن أعينهم يطّلعون عن حقائق عالم الكون، والاطّلاع غير الإيمان، وهو موجود أيضاً في يوم القيامة، ولكنّ الكفّار لا يؤنون باللّه‏.

فإن تحدّث القرآن الكريم عن إيمان فرعون، فلإنّه أوّلاً ينقل كلامه فقط ولا يؤّد إيمانه بأيّ نحو كان، وثانياً لا موضع للإيمان في تلك الأوضاع الاضطراريّة القسريّة التي تورّط فيها فرعون عند غرقه، فالإيمان الحقيقيّ يتحقّق في ظروف خالية من الإجبار والإكراه والاضطرار، وما يحدث في تلك الأوضاع هو نوع من الاستسلام للظروف، لا القبول الاختياري باللّه‏ عز و جل، وأوضاع أهل الكتاب وكلّ كافر حين الموت تماثل أحوال فرعون حين

1.. تفسير الطبريّ: ج ۴ الجزء ۶ ص ۲۱.

2.. مجمع البيان: ج ۳ ص ۲۱۱ ـ ۲۱۲.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
212

تفسير هذه الآية ثلاثة احتمالات عن المفسّرين:

الاحتمال الأوّل: أن يعود الضميران في «به» و «موته» إلى المسيح عليه‏السلام ؛ أي سيُسلم جميع اليهود والمسيحيّين ويؤنون بالمسيح قبل موته عندما ينزله اللّه‏ تعالى إلى الأرض في زمن ظهور المهديّ علیه السلام المنتظر عليه‏السلام، ويجتمع شعوب العالم كافّة تحت راية الوحدة والوفاق. نُقل هذا القول عن ابن عبّاس وأبي مالك وحسن وقتادة وابن زيد والطبريّ وآخرين.

وجاء في تفسير عليّ بن إبراهيم عن شهر بن حوشب:

قالَ لِيَ الحَجّاجُ بِأَنَّ آيَةً في كِتابِ اللّه‏ِ قَد أعيَتني، فَقُلتُ: أيُّهَا الأَميرُ أيَّةُ آيَةٍ هِيَ ؟ فَقالَ: قَولُهُ: «وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَبِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ»۱، وَاللّه‏ِ إنّي لاَمُرُ بِاليَهودِيِّ وَالنَّصرانِيِّ فَيُضرَبُ عُنُقُهُ، ثُمَّ أرمُقُهُ بِعَيني فَما أراهُ يُحَرِّكُ شَفَتَيهِ حَتّى يَخمَدَ !

فَقُلتُ: أصلَحَ اللّه‏ُ الأَميرَ لَيسَ عَلى ما تَأَوَّلتَ. قالَ: كَيفَ هُوَ ؟

قُلتُ: إنَّ عيسى يَنزِلُ قَبلَ يَومِ القِيامَةِ إلَى الدُّنيا فَلا يَبقى أهلُ مِلَّةٍ ـ يَهودِيٌّ ولا نَصرانِيٌّ ـ إلاّ آمَنَ بِهِ قَبلَ مَوتِهِ، ويُصَلّي خَلفَ المَهدِيِّ.

قالَ: وَيحَكَ ! أنّى لَكَ هذا، ومِن أينَ جِئتَ بِهِ ؟ فَقُلتُ: حَدَّثَني بِهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليهم‏السلام.

فَقالَ: جِئتَ بِها ـ وَاللّه‏ِ ـ مِن عَينٍ صافِيَةٍ.۲

الاحتمال الثاني: أن يعود الضمير في «به» إلى المسيح، وفي «موته» إلى أهل الكتاب ؛ أي كلّ من يغادر الدنيا من اليهود والنصارى سيؤن بعيسى عليه‏السلام قبل الوفاة؛ حيث يشرف على تخوم الموت، وتقوى علاقته بما بعده من العوالم، وتضعف صلته بهذه الدنيا، ويُكشف الغطاء عن عينيه، فيرى كثيراً من الحقائق ويطّلع عليها، وحينئذٍ سيشاهد بصره الراصد

1.. النساء : ۱۵۹ .

2.. راجع: ص ۴۱ ح ۱۶۴۶.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8681
صفحه از 483
پرینت  ارسال به