317
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس

جَمرِ الغَضى۱، أولئِكَ مَصابيحُ الدُّجى، يُنجيهِمُ اللّه‏ُ مِن كُلِّ فِتنَةٍ غَبراءَ مُظلِمَةٍ.۲

ويبدو أنّ قصد النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله من الرجال العظماء الذين سمّاهم في هذا الحديث وأمثاله بإخوانه، هم الذين بيّن اللّه‏ سبحانه صفاتهم في هذه الآية:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ».۳

وفي هذه الآية هدّد اللّه‏ سبحانه جماعة من صحابة النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله الذين لم يثبتوا على عقيدتهم الدينيّة والدفاع عن القيم الإسلاميّة، وصرّح بأنّه سيهبّ جماعة إلى نصرة هذا الدين في المستقبل، يحبّهم اللّه‏ ويحبّونه أيضاً، رحماء بالمؤنين متواضعون لهم، أعزّة وحازمون مع الكافرين المعاندين، ويجاهدون في سبيل تحقيق القيم الدينيّة، ولا يخافون لومة لائم.۴

ولا شكّ في أنّ أتمّ مصاديق هذا الإخبار هم أصحاب الإمام المهديّ علیه السلام ، بل ورد في تفسير القمّي في ذيل قوله تعالى: «يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ»:

نَزَلَت في القائِمِ عليه‏السلام وَأصحابِهِ: «يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ».۵

ويتبوّأ أنصار الإمام المهديّ علیه السلام أعلى مراتب الأُخوّة الدينيّة؛ لاكتمال عقولهم وإيمانهم، بحيث يستحقّون أن يسمّيهم النبيّ بإخوانه. نقل في حديث بسند معتبر عن زيد الزرّاد أنّه

1.. الغَضَى: شجرٌ من الأثل، خشبُه من أصلب الخَشَب، وجمره يبقى زماناً طويلاً لاينطفئ(المعجم الوسيط: ج ۲ص ۶۵۵ «غضى»).

2.. راجع: ج ۴ ص ۹۷ ح ۹۷۱

3.. المائدة: ۵۴.

4.. تشير الآية ۱۳۳ من سورة النساء والآية ۳۸ من سورة محمّد إلى هذا الإنباء أيضاً.

5.. تفسير القمّي: ج ۱ ص ۱۷۰، بحار الأنوار: ج ۳۱ ص ۵۷۷ ح ۷.


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
316

خطر مشركي قريش وعبدة الأصنام عموماً، ويهود المدينة الذين عاشوا في داخلها وخارجها وامتلكوا ثروات وإمكانيّات طائلة، ومن جهة أُخرى عانت القوّات المسلمة حديثاً من تمزّق بين صفوفها ؛ بسبب العداوة والأحقاد القديمة بين قبيلتي الأوس والخزرج، والاختلافات الفكريّة والثقافيّة بين المهاجرين والأنصار.

وهنا نزلت آية الأُخوّة: «إِنَّمَا الْمُؤمِنُونَ إِخْوَةٌ»۱، فانبرى النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله بإلهام من اللّه‏ لاعتماد مشروع التآخي الدينيّ بين المسلمين ثانية وبخاصّة بين المهاجرين والأنصار، وأنشأ وحدة سياسيّة ومعنويّة كسياسيّ محنّك ومتمرّس، وتمكّن بذلك من التغلّب على مشكلة الاختلافات الداخليّة، وأسّس الحكومة الإسلاميّة بوحدة وانسجام أتباعه حيال أعداء الإسلام.۲

دور الأُخوّة الدينيّة في حكومة الإسلام العالميّة

أخبر رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ـ استناداً إلى الأحاديث الواردة في المصادر الشيعيّة والسنّيّة المعتبرة ـ بأنّه سيظهر في آخر الزمان مسلمون أفضل بكثير من مسلمي صدر الإسلام، وسمّاهم بإخوانه ؛ لقوّة إيمانهم وعزيمتهم في أداء المسؤليّة، ونصّ أحد هذه الأحاديث المنقول عن الإمام الباقر عليه‏السلام كما يلي:

قالَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ذاتَ يَومٍ وعِندَهُ جَماعَةٌ مِن أصحابِهِ: اللّهُمَّ لَقِّني إخواني ـ مَرَّتَينِ ـ. فَقالَ مَن حَولَهُ مِن أصحابِهِ: أما نَحنُ إخوانُك يارَسولَ اللّه‏ِ؟! فَقالَ: لا، إنَّكم أصحابي، وإخواني قَومٌ مِن آخِرِ الزَّمانِ آمَنوا بي وَلَم يَرَوني، لَقَد عَرَّفَنيهِمُ اللّه‏ُ بِأَسمائِهِم وأسماءِ آبائِهِم مِن قَبلِ أن يُخرِجَهُم مِن أصلابِ آبائِهِم وأرحامِ اُمَّهاتِهِم، لَأحَدُهُم أشَدُّ بَقِيَّةً عَلى دينِهِ مِن خَرطِ القَتادِ۳ فِي اللَّيلَةِ الظَّلماءِ، أو كَالقابِضِ على

1.. الحجرات: ۱۰.

2.. لمزيد من التوضيح راجع: موسوعة معارف الكتاب والسنّة : ج ۱ ص ۳۳۳ الإخاء .

3.. القَتاد: شجر له شَوك، وفي المثل: «ومن دونه خَرط القَتاد» الصحاح: ج ۲ ص ۵۲۱ «قتد» .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8610
صفحه از 483
پرینت  ارسال به