295
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس

قُلتُ: جُعلتُ فِداكَ، وكَيفَ لا أبكي؟ وهل في هذِهِ الاُمَّةِ مِثلُكَ؟ وَالبابُ مُغلَقٌ عَلَيكَ، وَالسِّترُ مُرخىً عَلَيكَ!

فقال: لا تَبكِ يا عَمرُو، نَأكُلُ أكثَرَ الطَّيِّبِ، ونَلبَسُ اللَّيِّنَ، ولَو كانَ الَّذي تَقولُ لَم يَكن إلاّ أكلُ الجَشِبِ ولُبسُ الخَشِنِ، مِثلُ أميرِ المُؤِنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه‏السلام، وَإلاّ فَمُعالَجَةُ الأَغلالِ فِي النّارِ.۱

أُسلوب معيشة أئمّة العدل

تدلّ الأحاديث المتقدّمة على أنّ الزهد ومساواة المستوى المعيشيّ ـ وبخاصّة في الملبس والمأكل ـ مع أفقر الناس في المجتمع، ليست وظيفة مختصّة بأمير المؤنين عليه‏السلام، بل هي تكليف إلهيّ لجميع أئمّة العدل والحقّ.

وأكّدت أحاديث أُخرى بمزيد من الصراحة هذه الحقيقة، فقال بعضها:

إنَّ اللّه‏َ عز و جل فَرَضَ عَلى أئِمَّةِ العَدلِ أن يُقَدِّروا أنفُسَهُم بِضَعَفَةِ النّاسِ؛ كي لا يَتَبَيَّغَ بِالفَقيرِ فَقرُهُ.۲

وعندما دخل الأحنف بن قيس على معاوية، قدّم إليه من الحلو والحامض ما كثر تعجّبه منه، فبكى الأحنف. فقال معاوية: ما يُبكيك؟ ! قال: للّه‏ درّ ابن أبي طالب ! لَقد جادَ مِن نفسِه بما لم تَسمَح به أنتَ ولا غيرُك، فقال: وكيف؟ قال:

۰.دَخَلتُ عَلَيهِ لَيلَةً عِندَ إفطارِهِ، فَقالَ لي: قُم فَتَعَشَّ مَعَ الحَسَنِ وَالحُسَينِ. ثُمَّ قامَ إلَى الصَّلاة، فَلَمّا فَرَغَ دَعا بِجِرابٍ مَختومٍ بِخاتَمِهِ، فَأخرَجَ مِنهُ شَعيراً مَطحوناً ثُمَّ خَتَمَهُ، فَقُلتُ: يا أميرَ المُؤِنينَ، لَم أعهَدكَ بَخيلاً، فَكَيفَ خَتَمتَ عَلى هذَا الشَّعيرِ؟!

فَقالَ: لَم أختِمُهُ بُخلاً، ولكِن خِفتُ أن يَبُسَّهُ۳ الحَسَنُ وَالحُسَينُ بِسَمنٍ أو إهالَةٍ.۴

1.. الغيبة للنعمانيّ: ص ۲۹۷ ح ۸، بحار الأنوار: ج ۵۲ ص ۳۶۰ ح ۱۲۸.

2.. الكافي: ج ۱ ص ۴۱۱ ح ۳، نهج البلاغة: الخطبة ۲۰۹، بحار الأنوار: ج ۴۰ ص ۳۳۶ ح ۱۹.

3.. البَسّ : الدَّسّ النهاية : ج ۵ ص ۱۲۷ «بسس» . والبَسّ ـ أيضا ـ : اتّخاذ البَسيسة بأن يُلَتّ السَّويق ـ أو الدقيق ،أو الأقط المطحون ـ بالسَّمن أو الزيت (تاج العروس : ج ۸ ص ۲۰۳ «بسس») .

4.. الإهالة : كلّ شيء من الأدهان ممّا يؤتدم به : إهالَة . وقيل هو ما اُذيب من الألية والشحم . وقيل : الدسم الجامد النهاية : ج ۵ ص ۸۴ «أهل» .


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
294

أُسلوب الحياة الشخصيّة لأهل البيت عليهم‏السلام

أحد عوامل حبّ الناس ومودّتهم لأهل البيت عليهم‏السلام هو سيرتهم في حياتهم الشخصيّة وفي عهد تولّيهم للسلطة والحكم، فلم يتميّزوا بأدنى ميزة عن عامّة الناس، ليس هذا فحسب، بل عاشوا كأكثرهم بؤاً.

قال المعلّى بن خنيس أحد أصحاب الإمام الصادق عليه‏السلام:

قلت لأبي عَبدِ اللّه‏ عليه‏السلام يوماً: جُعلت فِداك، ذكرتُ آلَ فلانٍ [بني العبّاس] وما هم فيه مِن النَّعيم، فَقُلتُ: لو كان هذا إليكم لَعِشنا مَعَكم.

فقال: هَيهاتَ يا مُعَلّى! أما وَاللّه‏ِ أن لَو كانَ ذاكَ، ما كانَ إلاّ سِياسَةَ اللَّيلِ وسِياحَةَ النَّهارِ، ولُبسَ الخَشِنِ وأكلَ الجَشِبِ.۱

وفي رواية أُخرى قال المفضّل بن عمر أحد أصحاب الإمام الصادق عليه‏السلام:

كُنتُ عِندَ أبي عَبد اللّه‏ِ عليه‏السلام بِالطَّوافِ، فَنَظَرَ إلَيَّ وقالَ لي: يا مُفَضَّل، ما لي أراكَ مَهموما مُتَغيِّرِ اللَّونِ؟

قالَ: فَقُلتُ لَهُ: جُعِلتُ فِداكَ، نَظَري إلى بَنِي العَبّاسِ وما في أيديهِم مِن هذَا المُلكِ وَالسُّلطانِ وَالجَبَروتِ، فَلَو كانَ ذلِكَ لَكُم لَكُنّا فيهِ مَعَكُم.

فقال: يا مُفَضَّلُ، أما لَو كانَ ذلِك لَم يَكن إلاّ سِياسَةَ اللَّيلِ وسِياحَةَ۲ النَّهارِ، وأَكلَ الجَشِبِ ولُبسَ الخَشِنِ، شِبهَ أميرِ المُؤِنينَ عليه‏السلام، وَإلاّ فَالنّارُ، فَزُوِيَ ذلِك عَنّا، فَصِرنا نَأكُلُ ونَشرَبُ، وهَل رَأَيتَ ظُلامَةً جَعَلَهَا اللّه‏ُ نِعمَةً مِثلَ هذا؟!۳

وروى عمرو بن شمر أحد أصحاب الإمام الصادق عليه‏السلام، فقال:

كُنتُ عِندَ أبي عَبد اللّه‏ِ عليه‏السلام في بَيتِهِ وَالبَيتُ غاصٌّ بِأهلِهِ، فَأقبَلَ النّاسُ يَسأَلونَهُ، فَلا يُسأَلُ عَن شَيءٍ إلاّ أجابَ فيهِ، فَبَكَيتُ مِن ناحِيَةِ البَيتِ، فَقالَ: ما يُبكيكَ يا عَمرُو؟

1.. الكافي: ج ۱ ص ۴۱۰ ح ۲، الدعوات: ص ۲۹۶ ح ۶۰، بحار الأنوار: ج ۵۲ ص ۳۴۰ ح ۸۸.

2.. في المصدر: «سباحة»، والتصويب من بحار الأنوار.

3.. الغيبة للنعمانيّ: ص ۲۹۷ ح ۷، بحار الأنوار: ج ۵۲ ص ۳۵۹ ح ۱۲۷.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ المجلد السادس
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8589
صفحه از 483
پرینت  ارسال به