315
موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الخامس

الأنبياء صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وسيُهيمن على جميع الديانات الأُخرى في النهاية حينما يظهر منقذ البشريّة.

ونذكّر بأنّه لا ينبغي تطبيق هذا المفهوم على أوّل الزمان الحقيقيّ والطبيعيّ ؛ لأنّ عمر الأرض والدنيا يبلغ ملايين السنين، وبدايته ووسطه ونهايته مجهولة غامضة لدى البشر، ولايليق بكلام المعصومين ذكره والإرجاع إليه ؛ إذ يبدو أنّهم في صدد تقديم مفاهيم تاريخيّة لا طبيعيّة في هذا المجال ؛ لإرشاد وتنوير رؤنا لأحداث التاريخ، فنكتسب استعدداً نسبيّاً لاجتياز المراحل التاريخية المعقّدة، وننجو من الفتن والوقائع العسيرة.

وعلى أيّ حال، لو يقايس مفهوم آخر الزمان مع مفهوم أوّل الزمان التاريخيّ ـ وهو زمن هبوط آدم عليه‏السلام وبعثة الأنبياء الأوّلين ـ فسيحرز معنىً أوسع يستغرق مدّة طويلة نسبيّاً منذ عصر البعثة النبويّة إلى يوم القيامة، ولو يقايس مع أوّل الزمان ـ وهو زمن بعثة النبيّ محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ـ فيمكن إطلاقه على عهدَي الغيبة والظهور، وزمن ما قبل القيامة أيضاً. وبهذا يشمل مفهوم آخر الزمان ـ في كلا المعنيين ـ عصر الغيبة وقيام الإمام المهديّ عليه‏السلام وحوادث ما قبل القيامة.

أحداث آخر الزمان

احتوت الروايات في باب وقائع آخر الزمان على إشارات إلى عدّة أحداث، منها: إضاءة ما بين المشرق والمغرب، ووقوع زلازل وفتن متتالية، وقطع الطرق والنهب، وخلوّ قلوب الكبار من الرحمة تجاه الصغار وتجاه بعضهم، وتفاقم المصائب التي ترتكبها الحكومات، وقتل النفس الزكيّة.

وبسبب تكرار بعض هذه الأحداث وإمكانيّة انطباقها على مصاديق مختلفة ـ وهو ناشئ عن عدم تعيينها وترسيم حدودها بدقّة ـ لا يمكن التطرّق إلى توقيت دقيق للظهور، وإن تيسّر تقدير الدنوّ منه ومن القيام بنحو إجماليّ وغامض. وسيأتي الكلام في محلّه۱ عن كلّ واحدة من تلك الأحداث ومدى دلالتها على اقتراب القيام.

1.. راجع على سبيل المثال: ص ۷ (القسم العاشر: علامات ظهور الإمام المهدي عليه‏السلام).


موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الخامس
314

ومِنّا مَهدِيُّ هذِهِ الأُمَّةِ إذا صارَتِ الدُّنيا هَرجاً ومَرجاً، وتَظاهَرَتِ الفِتَنُ، وَتَقَطَّعَتِ السُّبُلُ، وأَغارَ بَعضُهُم عَلى بَعضٍ، فَلا كبيرٌ يَرحَمُ صَغيراً، ولا صَغيرٌ يُوَقِّرُ كبيراً، فَيَبعَثُ اللّه‏ُ عز و جل عِندَ ذلِك مَهدِيَّنَا التّاسِعَ مِن صُلبِ الحُسَينِ عليه‏السلام، يَفتَحُ حُصونَ الضَّلالَةِ، وقُلوباً غُفلاً، يَقومُ بِالدِّرَّةِ في آخِرِ الزَّمانِ، كما قُمتُ بِهِ في أوَّلِ الزَّمانِ، ويَملَأُ الأَرضَ عَدلاً كَما مُلِئَت جَوراً.۱

فهذه الأحاديث تضع بعض العراقيل حيال قسم من المطالب المتقدّمة في إطلاق آخر الزمان على عصر بعثة خاتم الأنبياء صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، ولكن بمزيد من التقصّي والحصول على أحاديث أُخرى أُطلق فيها مفهوم آخر الزمان على أزمنة أبعد، مثل زمن نوح۲ وأصحاب الكهف۳، وكذلك أحاديث أُخرى۴ ؛ يمكن القول:

إن أوّل الزمان مفهوم نسبيّ، حيث يرصد حيناً العصر الأوّل من التاريخ حينما وطأ آدمُ عليه‏السلام وجهَ الأرض، وبُعث فيها الأنبياء الأوّلون ـ كآدم ونوح ـ ليؤّسوا الحضارة الإنسانيّة، ويرصد حيناً آخر أوّل مقطع زمنيّ لآخر حلقة من الحضارة البشريّة أسّسها خاتمُ

1.. راجع: ص ۳۰۴ ح ۱۴۶۰ وفي الملاحم والفتن: ص ۳۲۱ ح ۴۶۳: «عن أبي الطفيل أنّ رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله قال: بِنا فُتِحَالأَمرُ، وَبِنا يُختَمُ، وبِنا استَنقَذَ اللّه‏ُ النّاسَ في أوَّلِ الزَّمانِ، وبِنا يَكونُ العَدلُ في آخِرِ الزَّمانِ، وبِنا تُملَأُ الأَرضُ عَدلاً كَما مُلِئَت جَوراً، تُرَدُّ المَظالِمُ إلى أهلِها بِرَجُلٍ اسمُهُ اسمي» .

2.. مثل الحديث المشهور بـ توحيد المفضّل: «فَإِن قالَ: وَ لِمَ تَحدُثُ [الآفاتُ] عَلَى النّاسِ؟ قِيلَ لَهُ: لِكَيلا يَركَنوا إِلَى المَعاصي مِن طولِ السَّلامَةِ، فَيُبَالِغَ الفَاجِرُ فِي رُكوبِ المَعاصي، وَيَفتُرَ الصّالِحُ عَنِ الاجتِهادِ فِي البِرِّ، فَإِنَّ هذَينِ الأَمرَينِ جَميعاً يَغلِبانِ عَلَى النّاسِ في حالِ الخَفضِ وَالدَّعَةِ، وهذِهِ الحَوادِثُ الَّتي تَحدُثُ عَلَيهِم تَردَعُهُم وَتُنَبِّهُهُم عَلى ما فيهِ رُشدُهُم، فَلَو خَلَوا مِنهَا لَغَلَوا فِي الطُّغيانِ وَالمَعصِيَةِ كَما غَلا النّاسُ في أَوَّلِ الزَّمانِ، حَتّى وَجَبَ عَلَيهِمُ البَوارُ بِالطّوفانِ وتَطهيرِ الأَرضِ مِنهُم» كتاب التوحيد: ص ۱۱۳.

3.. «قال عليّ عليه‏السلام [للحبر]: سَل. قَالَ: أَخبِرني عَن قَومٍ كانوا في أَوَّلِ الزَّمانِ فَماتوا ثَلاثَمِئَةٍ وَتِسعَ سِنينَ ثُمَّ أَحياهُمُ اللّه‏ُ، ما كانَ قِصَّتُهُم؟ فَابتَدَأَ عَلِيٌّ عليه‏السلاموَأَرادَ أَن يَقرَأَ سورَةَ الكهفِ...» قصص الأنبياء: ص ۲۲۵، بحار الأنوار: ج ۱۴ ص ۴۱۲.

4.. مثل رواية وهب بن منبّه في تعبيره لرؤا نبوخذنصّر : «... قالَ دانِيالُ عليه‏السلام: أَمَّا الصَّنَمُ الَّذي رَأَيتَ فَإِنَّها أُمَمٌ تَكونُفي أَوَّلِ الزَّمانِ وأَوسَطِهِ وآخِرِهِ، وأَمَّا الذَّهَبُ فَهُوَ هذَا الزَّمَانُ وهذِهِ الأُمَّةُ الَّتي أَنتَ فيها وأَنتَ مَلِكُهَا، وأَمَّا الفِضَّةُ فَإِنَّهُ يَكونُ ابنُك يَليها مِن بَعدِك» قصص الأنبياء: ص ۲۲۵، بحار الأنوار: ج ۱۴ ص ۳۶۶ ح ۷.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام المهدي علیه السلام في الکتاب و السّنّة و التّاریخ - المجلد الخامس
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمّد كاظم الطّباطبائي، عدّة من الفضلاء
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1398
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8610
صفحه از 457
پرینت  ارسال به