معتمدة لدى المرتضى، أن نبحث عن سبب اعتماده وولعه بالعقل، فهل كان اعتماده على العقل لأنّه عقل فقط، أم هناك سبب دعاه لتوجيه الاهتمام إلى العقل؟ لأجل الإجابة على هذا التساؤل ينبغي التوغّل أكثر في عقلانية المرتضى، والتنقيب عن البُنى التحتية لهذه العقلانية التي تعتبر ركيزة ترتكز عليها، وذلك من خلال طرح السؤالين التاليين:
السؤال الأوّل: إنّ اعتماد المرتضى على العقل يجعلنا نرجع خطوة إلى الوراء لنتسائل: ما هو سبب اعتماده على العقل، وأين يكمن سبب كلّ هذا الاعتماد؟
السؤال الثاني: هل العقل هو الأداة الوحيدة المعتمدة عند المرتضى في أبحاثه الكلامية، أم هناك أدوات أخرى تقف إلى جانب العقل، لتؤيّد نتائجه، ولتتقدّم عليه حيث يُحجِم؟
نستعرض الإجابة على هذين السؤالين من خلال البحوث التالية:
۱. سبب الاعتماد على العقل: لقد حاول الشريف المرتضى تأسيس منظومة فكرية رصينة وراسخة، لا يمكن هزّها وتهديدها بسهولة. إنّ بناء هكذا منظومة يتطلّب الاعتماد على أساس يمتلك قدراً كبيراً من اليقين والوضوح والعلمية، ويبتعد كلّ البعد عن الشكّ والظنّ، وقد تمكّن المرتضى من الحصول على هذا الاساس، وهو «العلم». فقد تحوّل العلم في فكر المرتضى إلى أساس ومعيار يتمّ بناءً عليه محاكمة كلّ أداة فكرية، فإنْ تمكّنت تلك الأداة من توفير العلم للباحث صارت معتمدة، وإلّا لم يبق لها دور في منظومته الفكرية.
فما هو المراد بهذا العلم، هل المراد به العلم الرياضي والبرهاني واليقيني بالمعنى الأخصّ؟ كلّا فهذه أفكار فلسفية ما كان المرتضى ليؤمن بها، وإنّما العلم عنده في الحقیقة يعني: «اعتقاد الشيء على ما هو عليه، مع سكون النفس»، وإن کان هو قد رفض إدخال عنصر الاعتقاد في تعریف العلم، مع قبوله بأنّ العلم من سنخ الاعتقاد؛ و ذلك لسببٍ مذکورٍ في کتبه۱. وهذا التعريف يحتوي على عنصرين: