93
الشريف المرتضى و المعتزلة

أخرى غير السابقة هو الذي أدّى إلى حصول التشابه من خلال تأثير تلك الظاهرة الأخرى في الظاهرتين معاً.

إذن هناك احتمالان متناقضان، وهما احتمال التأثّر بين الظاهرتين، واحتمال وجود علّة مشتركة، ومن طبيعة النقيضين أنّهما لا يجتمعان ولا يرتفعان، فإذا ثبت أحدهما ارتفع الآخر. فلأجل إثبات احتمال وجود التأثّر بین الظاهرتین، أمامنا طريقان: الأوّل: أن نأتي بدليل - غير مجرّد التشابه - على وجود ارتباط مباشر بين الظاهرتين، وحينئذ يرتفع الاحتمال الآخر، أي احتمال وجود علّة مشتركة. والثاني: أن نأتي بدليل لإبطال وجود العلّة المشتركة، فيثبت احتمال التأثّر بين الظاهرتين تلقائياً؛ لأنّنا قلنا إنّ هذين الاحتمالين يشكّلان نقيضين، فإذا ارتفع أحدهما ثبت الآخر تلقائياً؛ لأنّ النقيضين لا يرتفعان. أمّا إذا لم نسلك أيّ واحد من الطريقين فلا يمكننا الجزم بالتأثّر المباشر لمجرّد التشابه، بل يبقى التأثّر مجرّد أمر محتمِل لأمرین. ومن الواضح أنّه إذا أردنا إثبات الاحتمال الآخر، أي العلّة المشتركة، فينبغي أيضاً سلوك أحد الطريقين المتقدّمين، أي إمّا أن نأتي بدليل لإثباته، أو نأتي بدليل لإبطال الاحتمال الأوّل، وإلّا بقي الاحتمال الثاني محتملاً أيضاً.

وعلى هذا، فمجرّد التشابه لا يبيح للمؤرّخ أن يجزم بوجود حالة تأثّر مباشر بين الظاهرتين، بل لابدّ أن يأخذ احتمال وجود علّة مشتركة بعين الاعتبار، ويتعامل معها بأحد الطرق المتقدّمة. ولهذا إذا وجدنا تشابهاً بين المرتضى والمعتزلة في بعض النظريات أو الأدلّة أو الأدبيات، فيجب أن ندرس عوامل التشابه، لنرى هل تدلّ هذه التشابهات على التأثّر المباشر، أم أنّ هذه التشابهات تعود إلى علّة مشتركة.

وفي ما يلي نستعرض أنواع التشابه المُدّعاة بين المرتضى والمعتزلة، لنرى مدى تمكّنها من إثبات تأثّره بهم:

أوّلاً: التشابه في النظرية: إنّ أحد أنواع التشابه هو التشابه في النظريات التي يتبنّاها المفكّر، فهناك شبه بين الكثيرين من العلماء والمفكّرين في النظريات التي يقدّمونها ويتبنّونها، ومثال ذلك المرتضى، فإنّ تقريره للكثير من المسائل،


الشريف المرتضى و المعتزلة
92

ظاهرتين تاريخيتين متعاقبتين زمنياً أدّى بالمؤرّخ إلى الجزم بأنّ بينهما تأثيراً متبادلاً، حيث جعل الظاهرة المتأخّرة متأثّرة بالمتقدّمة عليها.

وقد يبدو هذا الأسلوب في الوهلة الأولى صحيحاً ومنطقياً، وهو مستعمل في الحياة اليومية، فعندما يشاهد الأستاذ أنّ طالبَين من طلابه قد أجابا في الامتحان عن جميع الأسئلة بطريقة واحدة ومتشابهة، بحيث كانت كلماتهم أيضاً متشابهة ومتطابقة، فإنّه يجزم مباشرة بأنّ أحدهما قد اعتمد في الإجابة على الآخر، وقام بنقل الأجوبة من ورقة صديقه.

ولكن ينبغي التأكيد على نقطة، وهي أنّه إذا رجعنا إلى المثال السابق نقول: إذا اكتشف المؤرّخ بعد ذلك أنّ هناك مسجداً في دمشق قد بُني سنة ۱۰۰ للهجرة بنفس الأسلوب والطريقة التي بُني بها مسجدا بغداد وغرناطة، فسوف يضطرّ إلى تغيير حكمه السابق؛ باعتبار أنّه مع وجود مسجد دمشق سيوجد الاحتمال التالي، وهو أن يكون مسجد غرناطة متأثّراً بمسجد دمشق لا بغداد، بل يحتمل أنّ كُلّاً من مسجدَي بغداد وغرناطة قد تأثرا بمسجد دمشق.

ونستنتج من ذلك أنّ مجرّد التشابه لا يقتضي بالضرورة وجودَ تأثّر بين المتشابهَين، بل عند وجود التشابه يحصل احتمالان: الأوّل: أنّ هناك تأثيراً لإحدى الظاهرتين في الأخرى. والثاني: أنّ هناك عاملاً ثالثاً هو السبب المشترك الذي أدّى إلى حصول تشابه بين الظاهرتين. أي لا توجد علاقة تأثّر وتأثير بين الظاهرتين، بل هما معلولتان لعلّة ثالثة مشتركة، وتلك العلّة هي التي أنتجت أثراً متشابهاً، ما أدّى إلى إنتاج ظاهرتين متشابهتين. إذن هناك احتمالان متوازيان لسبب حصول التشابه بين الظاهرتين، وهما احتمال التأثّر المباشر، واحتمال وجود علّة ثالثة مؤثّرة في الطرفين. وهذان الاحتمالان متساويان، وواقعان على طرفي نقيض، فهما بحسب اللّغة المنطقية متناقضان.

وبعبارة أخرى، إنّ للتّشابه بين الظاهرتين علّة، وهذه العلّة لا تخلو إمّا أن تكون هي التأثّر بالظاهرة السابقة تاريخياً، وإمّا أن لا تكون كذلك، بمعنى أنّ التأثّر بظاهرة

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1249
صفحه از 275
پرینت  ارسال به