69
الشريف المرتضى و المعتزلة

قال: «فكيف نكون قد أخذنا ذلك عن المعتزلة لولا قلّة الدين؟»۱.

كما وردت مسائل إلى الشيخ المفيد (ت۴۱۳ه‍ ) من صاغان عُرفت بالمسائل الصاغانية، حيث جاء فيها اتّهام لأحد الإمامية بأخذ بعض المعلومات من المعتزلة، فقد جاء فيها: «فصل: ثمّ قال هذا الشيخ المتفقّه عند نفسه: وقد بلغني عن فسوق فقيه الرافضة، ومتكلّم لهم من أهل بغداد، كان قد سرق الكلام من أصحابنا المعتزلة، فبانَ بالفهم من طائفته لذلك، ولفّق طريقاً في الاحتجاج لفقههم، يسرقه من أصحابنا الفقهاء». فأجابه الشيخ المفيد، وقال: «فيقال له: لسنا نعرف للشيعة فقيهاً متكلّماً على ما حكيتَ عنه من أخذه الكلام من المعتزلة، وتلفيقه الاحتجاج للفقه على طريقة أصحابك، وهذا من تخرّصك الذي أسلفت نظائره قبل هذا المكان... الخ»۲.

وقد ألّف الشيخ المفيد كتابه أوائل المقالات، وكان أحد أهدافه من وراء تأليف هذا الكتاب هو بيان الفَرق بين الشيعة والمعتزلة، حيث قال في المقدّمة: «فإنّي بتوفيق الله ومشيّته مثبتٌ في هذا الكتاب ما آثر إثباته من فَرق ما بين الشيعة والمعتزلة، وفصل ما بين العدلية من الشيعة ومن ذهب إلى العدل من المعتزلة، والفرق ما بينهم من بعد وبين الإمامية فيما اتّفقوا عليه من خلافهم فيه من الأصول»۳.

وقال الشهرستاني (ت۵۴۸ه‍ ) عند كلامه عن الإمامية: «وكانوا في الأوّل على مذهب أئمّتهم في الأصول، ثم لمّا اختلفت الروايات عن أئمّتهم وتمادى الزمان، اختارت كلّ فرقة منهم طريقة، فصارت الإمامية بعضها معتزلة: إمّا وعيدية وإمّا تفضيلية، وبعضها أخبارية: إمّا مشبّهة وإمّا سلفية»۴.

وقال ابن الجوزي (ت۵۹۷ه‍ ) في عبارة قريبة من سابقتها: «وكانت الإمامية أوّلاً على

1.. المصدر السابق، ص۸۱.

2.. المفيد، المسائل الصاغانية، ص۴۱.

3.. المفيد، أوائل المقالات، ص۳۳.

4.. الشهرستاني، الملل والنحل، ج۱، ص۱۶۵.


الشريف المرتضى و المعتزلة
68

يفعل الأمر، ثم يبدو له فلا يفعله. هذا توحيد الرافضة بأسرها إلّا نفراً منهم يسيراً صحبوا المعتزلة، واعتقدوا التوحيد، فنفتهم الرافضة عنهم، وتبرّأت منهم، فأمّا جملتهم ومشايخهم - مثل هشام بن سالم، وشيطان الطاق، وعليّ بن مِيثم، وابن الحكم، وعليّ بن منصور، والسكّاك - فقولهم ما حكيتُ عنهم»۱.

وقال أيضاً: «وبعدُ، فهل كان على الأرض رافضي إلّا وهو يقول: إنّ لله صورة، ويروي في ذلك الروايات، ويحتجّ فيه بالأحاديث عن أئمّتهم، إلّا من صحب المعتزلة منهم قديماً، فقال بالتوحيد، فنفته الرافضة عنها، ولم تقرّبه؟»۲.

وجاء بعده أبو الحسن الأشعري (ت۳۲۴ه‍ )، فقال: «والفرقة السادسة من الرافضة يزعمون أنّ ربّهم ليس بجسم، ولا بصورة، ولا يشبه الأشياء، ولا يتحرّك، ولا يسكن، ولا يماسّ. وقالوا في التوحيد بقول المعتزلة والخوارج. وهؤلاء قوم من متأخّريهم، فأمّا أوائلهم فإنّهم كانوا يقولون ما حكينا عنهم من التشبيه»۳.

وقال في موضع آخر: «واختلفت الروافض في القرآن، وهم فرقتان... والفرقة الثانية منهم يزعمون أنّه مخلوق محدَث، لم يكن ثمّ كان، كما تزعم المعتزلة والخوارج، وهؤلاء قوم من المتأخّرين منهم»۴.

والمثير للدهشة أنّ نسبة تأثّر الإمامية بالمعتزلة قد سَرَت إلى بعض محدّثي الإمامية أنفسهم، وبهذا الصدد يحدّثنا الشريف المرتضى في حوار له مع شيخه المفيد، فيقول: «قلتُ: فإنّي لا أزال أسمع المعتزلة يدَّعون على أسلافنا أنّهم كانوا كلهم مشبّهة، وأسمع المشبّهة من العامّة يقولون مثل ذلك، وأرى جماعة من أصحاب الحديث من الإمامية يطابقونهم على هذه الحكاية، ويقولون: إنّ نفي التشبيه إنّما أخذناه من المعتزلة!»۵، فأجاب الشيخ المفيد على هذه الشبهة، ثم

1.. الخيّاط، الانتصار، ص۳۶ - ۳۷.

2.. المصدر السابق، ص۲۱۴.

3.. الأشعري، مقالات الإسلاميّين، ص۳۵.

4.. المصدر السابق، ص۴۰.

5.. المفيد، الحكايات، ص۷۷.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1257
صفحه از 275
پرینت  ارسال به