67
الشريف المرتضى و المعتزلة

المرتضى، فقد بلغ هؤلاء العلماء مبلغاً رفيعاً من العلم، بحيث تودّ كلّ فرقة أن تعتبرهم من المحسوبين عليها.

وأمّا اتّهام أعداء المعتزلة للإمامية بالانتماء إلى الاعتزال فيمكن إيعازه إلى محاولات التنقيص من شأن الإمامية من خلال اتّهامهم بشتّى التّهم، مثل اتّهامهم باليهودية (السبأيّة) تارة، وبالاعتزال - الذين يرى أعداؤهم أنّهم قدرية هذه الأمّة۱، والذي يعني مساواتهم بالمجوس۲ - تارة أخرى.

وأمّا اتّهام المستشرقين للإمامية فهو إذا كان اتّهاماً مبنيّاً على معطيات علمية دقيقة، فينبغي التأكّد من تلك المعطيات، الأمر الذي نحاول القيام به في خصوص ما يتعلّق بالشريف المرتضى في هذه الدراسة، لكن إذا كان الهدف تحويل الإمامية إلى فرقة حادثة في تاريخ الإسلام، ليس لها جذور تاريخية تمتدّ إلى عصر الحضور أو إلى صدر الإسلام، وإنّما هي عالة على المعتزلة، فهذا الأمر يتطلّب أيضاً القيام بدراسة تاريخية معمّقة، بهدف البحث عن أصالة هذه الفرقة، وجذورها التاريخية، وهو بحاجة إلى فرصة أخرى.

وفي ما يلي قائمة بأهمّ من قام باتّهام الشيعة الإمامية ومتكلّميهم بالانتماء إلى الاعتزال، أو التأثّر به:

يمكن رصدُ أقدم اتّهام للشيعة بالتأثّر بالمعتزلة في كتاب الانتصار للخيّاط المعتزلي (ت۳۰۰ه‍ ) حيث قال في كتابه۳: «وأمّا جملة قول الرافضة فهو: إنّ الله عز و جل ذو قدًّ وصورة وحدًّ، يتحرّك ويسكن، ويدنو ويبعد، ويخفُّ ويثقل، وإنّ علمه محدَث، وإنّه كان غيرَ عالِم فعَلِم. وإنّ جميعهم يقول بالبَداء، وهو أنّ الله يخبر أنّه

1.. البغدادي، الفرق بين الفِرق، ص۱۰۷.

2.. فقد روي عن النبي صلی الله علیه و آله: «المجوس قدرية هذه الأمّة» (السجستاني، سنن أبي داود، ج۲، ص۴۱۰).

3.. احتمل بعض الباحثين أن يكون الخيّاط قد كتب كتابه هذا في فترة قصيرة بعد سنة ۲۶۹ﻫ، فهو قد أشار في كتابه الانتصار إلى وفاة أبي مجالد الذي توفّي في هذه السنة أو التي قبلها (انظر: ماديلونغ، ولفرد، مكتبها و فرقه‌هاى اسلامى در سده‌هاى ميانه (مجموعة مقالات مترجمة إلى الفارسية، ص۱۵۲)، وهذا يعني أنّ اتّهام الخيّاط يعود إلى حوالي سنة ۲۶۹ﻫ..


الشريف المرتضى و المعتزلة
66

وبما أنّ الظاهرة الأولى تتطلّب تفصيلاً وبحثاً مستقلاً، لذا نرجئ الكلام عنها إلى فرصة أخرى، ونركّز على الظاهرة الثانية المرتبطة بصلب الموضوع.

الظاهرة الثانية: اتّهام بعض الإمامية بالاعتزال: الظاهرة الأخرى التي أخذت شيئاً فشيئاً تبدو للعيان هي اتّهام بعض متكلّمي الشيعة الإمامية بالانتماء إلى مدرسة الاعتزال، فقد ظهر في هذا العصر همهماتٌ أخذت تخرج إلى السطح، تؤكّد على ظهور ميلٍ لبعض متكلّمي الإمامية نحو الاعتزال، حتّى لقد وُصف بعضهم بإنّه (معتزلي) صراحة، كما في حالة النوبختيَّين أبي سهل وأبي محمّد، حيث عُدَّ اسمُهما في ضمن طبقات المعتزلة۱. وقد استمرّت هذه الظاهرة على طول التاريخ وإلى هذا، حيث مازال اتّهام الإمامية بالاعتزال أو بالتأثّر به كحدّ أدنى قائماً إلى يومنا، وهو يحتّم التوفّر على دراسة هذه الظاهرة بصورة أكثر دقّة؛ باعتبار أنّ هذا الادّعاء يعرّض استقلال الإمامية الفكري إلى خطر، ويحوّلهم إلى فرقة لا تملك شيئاً كثيراً من نفسها، بل هي عالة على الآخرين، تستمدّ منهم آرائها ومقالاتها، وتعتمد عليهم في استنباط أفكارها الكلامية.

وقد جاء اتّهام الإمامية بالانتماء إلى الاعتزال من قِبَل المعتزلة تارة، ومن قِبَل أعداء المعتزلة كأهل السنّة والسلفية تارة أخرى، ومن قِبل أناس محايدين، ليسوا من المعتزلة ولا من أعدائهم وهم المستشرقون الذين يقولون إنّهم ينشدون الحقيقة كما هي، تارة ثالثة. إنّ الذي برّر لهؤلاء هذا الاتّهام هو وجود عدد من الآراء التي يتّفق فيها الإمامية مع المعتزلة، والتي سيأتي تفصيلها بعون الله تعالى، لكن يمكن افتراض أهداف أخری خاصّة دعت هؤلاء كلّهم، أو بعضهم إلى هذا الاتّهام:

أمّا اتّهام المعتزلة للإمامية فيمكن إرجاعه إلى وجود شخصيات شيعية إمامية عملاقة، لم تحبّ المعتزلة التفريط بهم، بل حاولت جرّهم إلى معسكرها، واعتبار انتمائهم إليها مكسباً للمعتزلة، مثل النوبختيَّين أبي سهل وأبي محمّد۲، والشريف

1.. القاضي عبد الجبّار، طبقات المعتزلة (ضمن كتاب: فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة)، ص۳۲۱.

2.. للتعرّف أكثر على شخصيتهما انظر: إقبال الآشتياني، آل نوبخت، ص۱۲۳، ۱۵۵.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1298
صفحه از 275
پرینت  ارسال به