يدلّ على أنّ الشيء إذا كان حياً ولم تكن فيه آفة وارتفعت الموانع فسوف يكون مدرِكا لا محالة۱.
إذن لقد نفى البصريون أن يكون بين الإدراك والحياة تطابق مفهومي وواقعي، لكنّهم جعلوا بينهما تلازماً واقتضاءً خارجياً، وبذلك سوف يزول التناقض الذي قد يترائى من كلام البصريين في الوهلة الأولى؛ فإنّ فصلَهم الإدراك عن الحياة فصلٌ مفهومي، بينما ربطهم بينهما إنّما هو ربط وتلازم خارجي وعرضي.
ثم إنّهم من خلال إيجاد تلازم واقتضاء بين الحياة الإلهية الأزلية، وإدراك المسموعات والمبصرات (السمع والبصر) قاموا بحلّ مشكلة تفسير أزلية صفتي السمع والبصر۲ التي كانوا قد وقعوا فيها نتيجة ربطهم لهاتين الصفتين بمفهوم الإدراك كما تقدّم.
ولکن بقيت مشكلة وهي أنّ كلّ ما تقدّم لم يُخرج صفتي السمع والبصر من كونهما إدراكاً، والإدراك كما تقدّم يحتاج إلى وجود المدرَك، والمدرَك حادث، فترجع المشكلة من جديد.
حاول المعتزلة حلَّ هذه المشكلة من خلال التفريق بين تعبيرين، فقالوا: لا نقول: «لم يزل سامعاً مُبصِراً»، وإنّما نقول: «لم يزل سميعاً بصيراً»؛ لأنّ السامع والمُبصِر بحاجة إلى مسموع ومُبصَر، بينما السميع والبصير ليسا بحاجة إلى ذلك؛ ويدلّ عليه أنّنا في الشاهد نرى أنّ النائم يقال له: «سميع وبصير»، وإن لم يكن هناك مسموع ومُبصَر، بينما لا يقال له: «سامع ومُبصِر»۳.
إذن سيكون معنى: «الله سميع» هو أنّه ليس ممّن يستحيل عليه السمع، وأنّه إذا كانت هناك مسموعات فهو يسمعها، ومعنى: «الله بصير» هو أنّه ليس ممّن يستحيل عليه البصر، وأنّه إذا كانت هناك مُبصَرات فهو يبصرها۴.