157
الشريف المرتضى و المعتزلة

يدلّ على أنّ الشيء إذا كان حياً ولم تكن فيه آفة وارتفعت الموانع فسوف يكون مدرِكا لا محالة۱.

إذن لقد نفى البصريون أن يكون بين الإدراك والحياة تطابق مفهومي وواقعي، لكنّهم جعلوا بينهما تلازماً واقتضاءً خارجياً، وبذلك سوف يزول التناقض الذي قد يترائى من كلام البصريين في الوهلة الأولى؛ فإنّ فصلَهم الإدراك عن الحياة فصلٌ مفهومي، بينما ربطهم بينهما إنّما هو ربط وتلازم خارجي وعرضي.

ثم إنّهم من خلال إيجاد تلازم واقتضاء بين الحياة الإلهية الأزلية، وإدراك المسموعات والمبصرات (السمع والبصر) قاموا بحلّ مشكلة تفسير أزلية صفتي السمع والبصر۲ التي كانوا قد وقعوا فيها نتيجة ربطهم لهاتين الصفتين بمفهوم الإدراك كما تقدّم.

ولکن بقيت مشكلة وهي أنّ كلّ ما تقدّم لم يُخرج صفتي السمع والبصر من كونهما إدراكاً، والإدراك كما تقدّم يحتاج إلى وجود المدرَك، والمدرَك حادث، فترجع المشكلة من جديد.

حاول المعتزلة حلَّ هذه المشكلة من خلال التفريق بين تعبيرين، فقالوا: لا نقول: «لم يزل سامعاً مُبصِراً»، وإنّما نقول: «لم يزل سميعاً بصيراً»؛ لأنّ السامع والمُبصِر بحاجة إلى مسموع ومُبصَر، بينما السميع والبصير ليسا بحاجة إلى ذلك؛ ويدلّ عليه أنّنا في الشاهد نرى أنّ النائم يقال له: «سميع وبصير»، وإن لم يكن هناك مسموع ومُبصَر، بينما لا يقال له: «سامع ومُبصِر»۳.

إذن سيكون معنى: «الله سميع» هو أنّه ليس ممّن يستحيل عليه السمع، وأنّه إذا كانت هناك مسموعات فهو يسمعها، ومعنى: «الله بصير» هو أنّه ليس ممّن يستحيل عليه البصر، وأنّه إذا كانت هناك مُبصَرات فهو يبصرها۴.

1.. المصدر السابق، ص۹۵؛ مانکدیم، شرح الأصول الخمسة، ص۱۱۰.

2.. مانکدیم، شرح الأصول الخمسة، ص۱۱۳.

3.. الأشعري، مقالات الإسلاميين، ص۱۷۵-۱۷۶؛ المرتضی، الذخيرة، ص۵۸۵-۵۸۶؛ الطوسي، الاقتصاد، ص۳۰.

4.. الأشعري، مقالات الإسلاميين، ص۱۷۶.


الشريف المرتضى و المعتزلة
156

والذي يدلّ على اختلاف العلم والإدراك في الشاهد هو أنّنا مثلاً نعلم الصوت بعد ذهابه، فنبقى عالمين به غير مدركين له، وذلك لذهابه. ومن جهة أخرى قد يوجد إدراك بلا علم، كما في النائم فهو يدرك الأصوات أثناء نومه لكنّه لا يعلم بها، لغفلته عنها بالنوم۱.

إذن صار السمع والبصر من سنخ الإدراك لا العلم، وبما أنّ العامل المشترك بين أنواع الإدراك هو وجود المدرَك في الخارج۲، لذلك وقع البصريون في مشكلة تفسير أزليّة صفتي السمع والبصر، فإنّهم إذا فسّروهما بالإدراك، والإدراك مشروط بوجود المدرَك، والمدرَكات (المسموعات والمبصرات) حادثة، فيكون الإدراك حادثاً، فتصبح صفتا السمع والبصر حادثتين، وحينئذ وقعوا في مشكلة، وهي إذا كانت هاتان الصفتان حادثتين، فهذا يعني أنّه تعالى لم يكن سميعاً وبصيراً منذ الأزل، وهو أمر مرفوض بصورة عامّة. لذلك حاول البصريون البحثَ عن طريقة لإثبات أزليّة السمع والبصر، مع كونهما من سنخ الإدراك، فأخذوا يبحثون عن صفةٍ أزليّةٍ ليربطوا السمع والبصر بها، وتلك الصفة هي الحياة.

لقد أصرّ البصريون على أنّ مفهوم الحياة غير الإدراك (إدراك المسموعات والمبصرات)؛ وذلك لأمور، مثل أنّ الإدراك يتعلّق بالغير۳، بينما الحياة ليس لها تعلّق بالغير، أو مثل أنّ الإدراك يتجدّد، بينما الحياة لا تتجدّد۴. لكن رغم اختلاف الإدراك مع الحياة مفهوماً وواقعاً، إلّا أنّ المقتضي للإدراك ليس إلّا الحياة، فالشاهد

1.. مانکدیم، شرح الأصول الخمسة، ص۱۰۹؛ المرتضی، الملخّص، ص۹۲. أمّا معتزلة بغداد، فعلى الرغم من قبولهم بوجود تغاير بين العلم والإدراك في الشاهد، لکنّهم قالوا إنّهما شيء واحد في الغائب، أي في اللّٰه تعالى؛ لأنّ الإدراك في الشاهد يتطلّب وجود حاسّة وتأثّرها بالمحسوس، وهذا محال على اللّٰه تعالى. ولذلك صار العلم والإدراك فيه تعالى شيئاً واحداً، وبالتالي صار السمع والبصر - اللذان هما سنخان من الإدراك - من سنخ العلم (أسعدي، سيد مرتضى (بالفارسیة)، ص۱۹۱).

2.. المرتضی، الذخيرة، ص۵۸۶.

3.. مانکدیم، شرح الأصول الخمسة، ص۱۰۹.

4.. المرتضی، الملخّص، ص۹۴.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1266
صفحه از 275
پرینت  ارسال به