123
الشريف المرتضى و المعتزلة

۴. هل الإجماع حجّة في الأصول والفروع معاً؟

بعد أن اتّضح أنّ الإجماع يدلّ على رأي الإمام، وأنّ الإمام معصوم وعالم بكلّ معالم الدين بصورة مطابقة للواقع، وأنّ قوله حجّة في مجالَي الأصول والفروع معاً۱، فإذا كان الإجماع طريقاً لمعرفة رأي الإمام، فسوف يمكن أن يكون طريقاً لمعرفة رأيه في كلا المجالين؛ لأنّه كما يمكن معرفة رأي الإمام في الأصول من خلال المشافهة أو المكاتبة أو النائب، فكذلك يمكن معرفة رأيه فيها من خلال الإجماع، وبذلك يصبح الإجماع دليلاً وحجّة في مجال الأصول إضافة إلى الفروع. لكن لحجّية الإجماع في الأصول حدود.

۵. ما هي حدود حجّية الإجماع في الأصول؟

أشار المرتضى إلى أنّ الإجماع حجّة في الأصول ما لم يؤدَّ إلى الدور، فلا يمكن الاستدلال بالإجماع - الكاشف عن رأي الإمام - على إثبات وجود الله تعالى أو علمه وصدقه؛ لأنّه يؤدّي إلى الدور، فحجّية قول الإمام متوقّفة على تلك الأمور، فلا يمكن أن تتوقّف تلك الأمور بنفسها على قول الإمام.

وضابط ذلك: أنّ كلّ شيء تقدّمت معرفة الإمام عليه فقول الإمام حجّة فيه، وأمّا ما لا يمكن المعرفة بوجود الإمام قبل المعرفة به، فقول الإمام ليس حجّة فيه۲. وبذلك يمكن الاستدلال بالإجماع على أمور مثل المعاد وتفاصيله، والوعيد، والرجعة، وحقيقة الإيمان، والقدر، والمعرفة وغير ذلك، ممّا لا تتوقّف حجّية قول الإمام عليه.

ويترقّى المرتضى، ويذهب إلى مستوى أعلى، وهو أنّه يمكن الاستدلال بالإجماع على النبوّة وحجّية القرآن!۳، لكنّه لا يبيّن لنا كيفية ذلك، إلّا أنّ الشيخ الطوسي أوضحه بما يلي: يمكن نظرياً أن تثبت إمامة الإمام من خلال المعجزة قبل ثبوت نبوّة النبي أو القرآن، فيقوم الإمام - الذي ثبتت إمامته من خلال المعجزة - بالإخبار بأنّ ذلك الرجل

1.. المرتضى، رسائل الشريف المرتضى (جوابات المسائل الموصليات الثانية)، ج۱، ص۲۰۵.

2.. المرتضى، الذريعة، ص۴۳۲.

3.. المصدر السابق، ص۴۳۲-۴۳۳.


الشريف المرتضى و المعتزلة
122

العلماء المعروفين لا تضرّ بحجّية الإجماع.

إنّ الملاحظتين الأخيرتين لم يصرّح بهما المرتضى في كلامه، وإنّما هي مطابقة لمبانيه، كما صرّح بها بعض المحسوبين على مدرسته، مثل ابن إدريس۱.

الطريقة الثانية: لو كان هناك من الإمامية من يخالف الإجماع ولا نعلم به، فإن لم يكن هو الإمام فلا تضرّ مخالفته، وإن كان هو الإمام فلابدّ أن يعلم أتباعُه وشيعته برأيه، لأنّه يجب على الإمام إذا انقطع الرأي الصواب عن شيعته أن ينبّههم عليه، حتى لو استلزم ذلك الظهورَ وتركَ التقية، فإنّه لا يجوز أن يخلي سائر المكلّفين من معرفة قوله، وأن يسلبهم إصابة الحقّ الذي لا يوجد إلّا في مذهبه

لقد أشار المرتضى إلى هذه الطريقة في إحدی رسائله وهي: مسألة في الإجماع۲ دون كتبه ورسائله الأخرى التي بحث فيها عن الإجماع، وذكرالشيخ الطوسي في أكثر من كتاب أنّ السيد المرتضى كان قد رفض هذه الطريقة، وذهب إلى أنّه يمكن أن تكون هناك علوم كثيرة محفوظة عند الإمام، ولا يجب عليه إظهارها للناس؛ لأنّ سبب الغيبة هو السلوك السيّء للناس، وعلى هذا فكلّ ضرر يلحق بالناس بسبب الغيبة، إنّما يلحق بهم بسببهم، لا بسبب الإمام، فإنّه لا يرغب بالغيبة، وإنّما قد أُلجئ إليها۳.

ومهما يكن من أمر، إن كان الشريف المرتضى يؤمن بالطريقة الثانية للكشف عن قول الإمام من خلال الإجماع أو لا، فإنّه على الأقلّ يؤمن بالطريقة الأولى، وبذلك يصبح الإجماع دليلاً علمياً يؤدّي إلى حصول العلم برأي الإمام وقوله، إمّا من باب أنّ الإمام واحد من العلماء بل سيّدهم، وإمّا من باب أنّه يجب على الإمام إظهار رأيه إذا خفي على شيعته، وبما إنّه يؤدّي إلى حصول العلم فهو حجّة۴.

1.. ابن إدريس، السرائر، ج۲، ص۵۲۹ - ۵۳۰؛ وانظر: النراقي، عوائد الأیّام، ص۶۷۱.

2.. المرتضى، رسائل الشريف المرتضى (مسألة في الإجماع)، ج۳، ص۲۰۳-۲۰۴.

3.. الطوسي، العدّة في أصول الفقه، ج۲، ص۶۳۱؛ الطوسي، الغيبة، ص۹۷.

4.. انظر: المرتضى، الذريعة، ص۴۳۲، حيث أشار هناك إلى حصول العلم من الإجماع.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1313
صفحه از 275
پرینت  ارسال به