121
الشريف المرتضى و المعتزلة

«العلم» وفقاً للمصطلح الكلامي، ويمكن تحصيل هذا العلم بأقوال الإمامية وإجماعهم وإن كانوا منتشرين في الآفاق ومتباعدين من حيث الديار.

ثمّ إنّ المرتضى طرح إشكالاً آخر وهو: يمكن أن يكون الإمام مخالفاً لرأي الإمامية، لكن بما أنّكم لا تعرفون شخصه بعينه، فأنتم لا تدرون أنّه قد خالفهم.

فأجاب عن ذلك بأنّه لو صحّ أنّ الإمام يخالف الإمامية، فهذا يعني أنّنا لم نعرف إجماعهم؛ لأنّ الإمام واحد منهم، فمخالفته تؤدّي إلى نقض الإجماع، حاله حال مخالفة أيّ عالم آخر منهم۱.

كما طرح إشكالاً آخر وهو: إذا جوّزتم أن يكون هناك عالم من الإمامية يخالفهم في بعض الآراء، ولم يصل إليكم خبره، فجوَّزوا أن يخالف الإمامُ الإماميةَ ولا يصل إليكم خبره أيضاً.

فأجاب بأنّه لا يجوز ذلك أساساً، فإنّه لا يصحّ أن يكون هناك لأحد علماء الإمامية رأي خاص في بعض المسائل، ثم تمضي عليه الدهور والأيام ولا يعلم أحد بمخالفته وبرأيه، فإنّ هذا مخالف للعادات؛ لأنّ الذي دعا ذلك العالم إلى المخالفة هو الذي يدعوه إلى الإعلان عن رأيه، كي يُتَّبَع فيه، ويُقتدى به۲.

وبالطبع فإنّ لتحقيق هذه الطريقة الأولى لتفسير كاشفية الإجماع عن قول الإمام شرطاً، وهو أن يكون بعض الأفراد المُجمِعين مجهولي الاسم والنسب، حتّى يصحّ أن نحتمل أنّ الإمام أحدُهم، وإلّا فلو كان كلّهم معلومي الاسم والنسب فسوف لن يمكن الاستدلال بهذا الإجماع؛ لأنّنا نعلم حينئذ بأنّ الإمام ليس واحداً منهم؛ ولهذا سمّيت هذه الطريقة من الإجماع - كما تقدّم - باسم: «دخول مجهول النسب».

وهناك ملاحظة مهمّة أخرى وهي أنّه إذا كان هناك بعض علماء الإمامية المعروفين كالشيخ الصدوق والمفيد قد خالفوا الإجماع، فمخالفتهم لا تضرّ؛ لأنّ المخالفة الوحيدة التي تضرّ بالإجماع هي مخالفة الإمام المعصوم علیه السّلام. إذن مخالفة

1.. المصدر السابق، (جوابات المسائل الرسّية الأولى)، ج۲، ص۳۶۸.

2.. المصدر السابق، ص۳۶۹.


الشريف المرتضى و المعتزلة
120

عادة مّا تطرح طريقتان للإجابة على هذا السؤال، نقوم باستعراضهما في ما يلي:

الطريقة الأولى: أجاب المرتضى بأنّ علماء كلّ فرقة معروفون محصورون متميّزون، وأقوالهم معروفة مضبوطة، وبما أنّ الإمام لا يكون إلّا سيّد العلماء وأوحدهم فلابدّ من دخوله في جملتهم والقطع على موافقة قوله لقولهم.

ویواجه هذه الطريقةَ السؤالُ التالي وهو: كيف يمكن معرفة إجماع الإمامية مع أنّهم منتشرون في آفاق الارض، ولا يمكن عملياً رؤيتهم كلّهم والالتقاء بهم ومعرفة آرائهم؟ وإن اكتفيتم في إجماع الإمامية بأقوال مَن تعرفونه من علمائهم فهو ليس بحجّة، إذ يمكن أن يكون الإمام غير داخل فيهم.

أجاب المرتضى عن ذلك بأنّ هناك بعض العلوم الواضحة البديهية التي لا يُعلم طريقها، لكن لا يمكن إنكارها، فكلّنا يعرف أنّ هناك بلاداً تدعى الصين، لكن إذا سُئلنا: ما دليلكم على ذلك؟ ومن أخبركم بذلك؟ لا يمكننا إجابته، لكنّنا في نفس الوقت نعرف وجود تلك البلاد بيقينٍ لا يمكن الشكّ فيه. وكذلك مثلاً كلّنا يعرف أنّ علماء النحو مُجمعون على أنّ الفاعل مرفوع، من دون أن نلتقي بجميع علماء النحو، ومن دون أن نعرف أقوالهم جميعاً، وهكذا أقوال علماء الإمامية، يمكن معرفة إجماعهم كلّهم مع أنّهم أقلّ عدداً وأقرب انحصاراً. وأيضاً كلّنا يعرف أقوال أبي حنيفة وأصحابه والشافعي، ونعرف أنّه لا يوجد حنفي أو شافعي يخرج عن أقوالهم، وإن لم نشاهدهم ولم نلتقِ بهم كلّهم. ومن أنكر العلم بهذه الأمور المذكورة لحق بالسُمنية منكري الأخبار، وقَرُبَ من السوفسطائية منكري المشاهدات.۱

وقد تقدّم أنّ «العلم» الذي يتحدّث عنه المرتضى ليس علماً برهانياً أرسطياً، بل علم بحسب المصطلح المتداول بين المتكلّمين للعلم، وهو الذي يقتضي سكون النفس، فقد قال المرتضى بعد حديثه الأخير: «وقيل لمن تعلّق بذلك: إن كنتَ تدفع العلم عن نفسك والسكون إلى ما ذكرنا، فأنت مكابرٌ كالسمنية والسوفسطائية»۲. فهنا يشير إلى عنصر «السكون» وهو عنصر مهمّ في حقيقة

1.. المرتضى، رسائل الشريف المرتضى (جوابات المسائل التبّانيات)، ج۱، ص۱۱-۱۳.

2.. المصدر السابق، ص۱۴.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1312
صفحه از 275
پرینت  ارسال به