وهكذا آمن الشريف المرتضى كأستاذه بحجّية الإجماع، معتمداً على دخول الإمام بين المُجمِعين في تفسير حجّيته، لكنّه اعتمد في ذلك على نظرية غير نظرية الإجماع اللّطفي، سمّيت بنظرية (دخول مجهول النسب)۱، وسيأتي الحديث عنها بعد قليل.
وعندما وصلت النوبة إلى الشيخ الطوسي أعاد القول بالإجماع اللّطفي إلى الأذهان، فقد أكّد على ضرورة تدخّل الإمام علیه السّلام لفضّ الإجماع في حالة ما إذا كان مخالفاً للواقع، وإن أدّى هذا التدخّل إلى الظهور وترك الغيبة والتقية. وقد اعتبر إنكار وجوب ظهور الإمام علیه السّلام لأجل تبيين القول الحقّ مساوياً لإنكار حجّية الإجماع من الأساس۲.
وقد ظهرت بعد ذلك نظريات وآراء عديدة حول تفسير حجّية الإجماع، يتطلّب تفصيلها فرصة أخرى۳.
والذي يهمّنا هنا أن نتبيّن حقيقة الإجماع عند المرتضى، وهل أنّه ينتج «العلم» الذي تقدّم أنّه الملاك لقبول الأدوات العلمية ورفضها؟ ومن ثمّ ينبغي مقارنة ما توصّل إليه المرتضى حول الإجماع مع آراء المعتزلة في هذا المجال، وذلك من خلال مجموعة من الأسئلة:
۱. ماهو الإجماع المعتبر الذي يكشف عن رأي الإمام؟ وهل هو إجماع كلّ الأمّة، أو خصوص جماعة وطائفة منهم؟
أجاب المرتضى بأنّه لا يوجد فرق في الإجماع الذي يكون كاشفاً عن رأي الإمام، بين أن يكون إجماع الأمّة عامّة، أو إجماع الإمامية خاصّة؛ فالإمام داخل في الأمّة كما هو داخل في جماعة الإمامية، فإذا التبس قول الإمام ولم تمكن معرفته بسبب غيبته، أمكن من خلال إحراز إجماع الأمّة أو الإمامية الجزمُ بموافقة رأي الإمام لرأيهم۴. وهذه الطريقة - أي طريقة الكشف عن رأيٍ غير معروف من خلال الإجماع - قد اتّبعها غيرُ الإمامية أيضاً كالمعتزلة، فقالوا إنّ الحجّة هو إجماع المؤمنين