119
الشريف المرتضى و المعتزلة

فقط، فإذا علمنا بإجماعهم مباشرة فبها ونعمت، وإن لم نعلم به، يكفي أن نعلم بإجماع الأمّة التي يوجد فيها المؤمن وغير المؤمن، فنعلم بإجماع المؤمنين؛ لأنّ المؤمنين لا يخرجون عن الأمّة، فيكون إجماع الأمّة كاشفاً عن إجماع المؤمنين۱.

وهكذا قال الإمامية والمرتضى بأنّ إجماع الأمّة كاشف عن رأي الإمام؛ لأنّه غير خارج عنها، كما أنّ إجماع الإمامية كاشف أيضاً عن رأيه؛ لأنّه غير خارج أيضاً عنهم.

۲. ما هو الحجّة، إجماع الأمّة أو رأي الإمام؟

اتّضح ممّا تقدّم أنّه لا قيمة للإجماع في حدّ ذاته، إلّا بالمقدار الذي يكشف فيه عن رأي الإمام، فالمقصود الحقيقي هو رأي الإمام، وما الإجماع إلّا وسيلة للاطّلاع على قوله ورأيه، فليس الإجماع دليلاً مستقلّاً قائماً بنفسه إلى جانب الكتاب والسنّة والعقل، بل هو مجرّد وسيلة. وهذا على خلاف المعتزلة الذين أعطوا قيمة ذاتية للإجماع سواء إجماع الأمّة، أم خصوص المؤمنين، فإنّهم اعتبروا الإجماع دليلاً مستقلّاً إلى جانب الكتاب والسنّة، له حجّيته الذاتية، وليس مجرّدَ كاشفٍ عن قول المعصوم (السنّة). واستدلّوا على الإجماع بآيات متعدّدة إلى جانب الحديث النبوي المشهور: «لا تجتمع أمّتي على خطأ»۲، وقد استدلّ بتلك الآيات كبارُ المعتزلة كأبي عليّ وأبي هاشم الجبّائيَّين۳.

وناقش المرتضى كلّ الأدلّة التي أقامها المعتزلة على حجّية الإجماع، رافضاً أن تكون له حجّية مستقلّة ودلالة ذاتية۴. وهذا فارق نظري عميق بين المرتضى والمعتزلة في النظر إلى الإجماع.

۳. ما هو الدليل على كاشفية الإجماع عن رأي الإمام؟ فما دمنا لم نرَ الإمام ولم نطّلع على رأيه، فكيف يمكن معرفة رأيه من خلال الإجماع؟

1.. القاضي عبد الجبّار، المغني (الشرعيات)، ج۱۷، ص۱۶۷-۱۶۸؛ البصري، المعتمد، ج۲، ص۱۲.

2.. القاضي عبد الجبّار، المغني (الشرعيات)، ج۱۷، ص۱۶۰ وما بعدها؛ البصري، المعتمد، ج۲، ص۴ وما بعدها.

3.. القاضي عبد الجبّار، المغني (الشرعيات)، ج۱۷، ص۱۷۱، ۱۸۰.

4.. المرتضى، الشافي في الإمامة، ج۱، ص۲۱۶ - ۲۷۵؛ المرتضى، الذريعة، ص۴۲۱-۴۳۱.


الشريف المرتضى و المعتزلة
118

وهكذا آمن الشريف المرتضى كأستاذه بحجّية الإجماع، معتمداً على دخول الإمام بين المُجمِعين في تفسير حجّيته، لكنّه اعتمد في ذلك على نظرية غير نظرية الإجماع اللّطفي، سمّيت بنظرية (دخول مجهول النسب)۱، وسيأتي الحديث عنها بعد قليل.

وعندما وصلت النوبة إلى الشيخ الطوسي أعاد القول بالإجماع اللّطفي إلى الأذهان، فقد أكّد على ضرورة تدخّل الإمام علیه السّلام لفضّ الإجماع في حالة ما إذا كان مخالفاً للواقع، وإن أدّى هذا التدخّل إلى الظهور وترك الغيبة والتقية. وقد اعتبر إنكار وجوب ظهور الإمام علیه السّلام لأجل تبيين القول الحقّ مساوياً لإنكار حجّية الإجماع من الأساس۲.

وقد ظهرت بعد ذلك نظريات وآراء عديدة حول تفسير حجّية الإجماع، يتطلّب تفصيلها فرصة أخرى۳.

والذي يهمّنا هنا أن نتبيّن حقيقة الإجماع عند المرتضى، وهل أنّه ينتج «العلم» الذي تقدّم أنّه الملاك لقبول الأدوات العلمية ورفضها؟ ومن ثمّ ينبغي مقارنة ما توصّل إليه المرتضى حول الإجماع مع آراء المعتزلة في هذا المجال، وذلك من خلال مجموعة من الأسئلة:

۱. ماهو الإجماع المعتبر الذي يكشف عن رأي الإمام؟ وهل هو إجماع كلّ الأمّة، أو خصوص جماعة وطائفة منهم؟

أجاب المرتضى بأنّه لا يوجد فرق في الإجماع الذي يكون كاشفاً عن رأي الإمام، بين أن يكون إجماع الأمّة عامّة، أو إجماع الإمامية خاصّة؛ فالإمام داخل في الأمّة كما هو داخل في جماعة الإمامية، فإذا التبس قول الإمام ولم تمكن معرفته بسبب غيبته، أمكن من خلال إحراز إجماع الأمّة أو الإمامية الجزمُ بموافقة رأي الإمام لرأيهم۴. وهذه الطريقة - أي طريقة الكشف عن رأيٍ غير معروف من خلال الإجماع - قد اتّبعها غيرُ الإمامية أيضاً كالمعتزلة، فقالوا إنّ الحجّة هو إجماع المؤمنين

1.. مجلة فقه (بالفارسية)، العدد ۳۱-۳۲، ص۲۸۶.

2.. الطوسي، العدّة في أصول الفقه، ج۲، ص۶۳۱.

3.. للمزيد انظر: النراقي، عوائد الأيام، ص۶۷۱، الكاظمي، كشف القناع عن وجوه حجّية الإجماع.

4.. المرتضى، الذريعة، ص۴۳۱.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1325
صفحه از 275
پرینت  ارسال به