وبعد وقوع الغيبة الصغرى وانقطاع الشيعة عن الإمام، كان الطريق الوحيد للوصول إليه منحصراً بالأبواب والنواب، فقد كانوا ينقلون أسئلة الشيعة التي كانوا يكتبونها عادة إلى الإمام، فيجيب من خلال التوقيعات التي تخرج من عنده۱.
ولكن بعد وقوع الغيبة الكبرى (سنة ۳۲۹ه )، والانقطاع التامّ عن الإمام، لم يبقَ أيّ طريق للوصول إليه، لذلك بدأ علماء الشيعة الإمامية بالبحث عن طريق بديل يتسنّى لهم من خلاله التعرّف على رأي الإمام، فإنّ الإمامية يرون أنّ الإمام الغائب علیه السّلام حيّ يرزق، وأنّه يعيش بين الناس، ولا شكّ أنّه أحد العلماء، بل سيّدهم، وهو - حسب رأي الإمامية - الأعلم على الإطلاق بكلّ معالم الدين. وبما أنّه معصوم فكلّ آرائه - سواء في مجال الأصول أو الفروع - صحيحة ومطابقة للواقع يقيناً، فتكون معرفة رأيه في كلّ مسألة وسيلة ممتازة للتعرّف على معالم الدين.
ولكن ما السبيل إلى ذلك؟ وكيف يمكن التعرّف على رأي الإمام الغائب؟
لقد بدأ الإمامية بالبحث عن طريق جديد يختلف عن طرق المشافهة أو المكاتبة أو النوّاب التي تمّ إلغاؤها في عصر الغيبة الكبرى، فتوصّلوا إلى أنّ أفضل طريق للتعرّف على رأي الإمام الحيّ الغائب في هذا العصر هو الإجماع، فالإجماع وسيلة ممتازة لمعرفة آراء الإمام عند التباسها وعدم تميّزها. وقد كان الشريف المرتضى من علماء الإمامية الذين آمنوا بقيمة الإجماع، حيث قال: «إنّ الرسول والإمام إذا كان متميّزاً متعيّناً، عُلمت مذاهبه وأقواله بالمشافهة أو بالتواتر عنه، وإذا كان مستتراً غير متميّز العين - وإن كان مقطوعاً على وجوده واختلاطه بنا - عُلمت أقواله بإجماع الطائفة التي نقطع على أنّ قوله في جملة أقوالهم»۲.
إذن لقد اعتبر الإجماع وسيلة مهمّة جدّاً من قبل متكلّمي الإمامية للتعرّف على آراء الإمام الحيّ الغائب علیه السّلام. وقد بلغت أهميّة التمسّك بالإجماع حدّاً كبيراً في ظلّ