117
الشريف المرتضى و المعتزلة

إنكار حجّية خبر الواحد، فقد أدّى فقدان هذا المصدر المهمّ بحجّة عدم كونه مصدراً علمياً ويقينياً، إلى ضرورة البحث عن مصادر أخرى كالإجماع.

واعتمد متقدّمو الإمامية في حجّية الإجماع على إعطاء وظيفة محدّدة للإمام علیه السّلام، وهي أنّه إذا كان إجماع الإمامية خطأ فيجب على الإمام علیه السّلام أن يتدخّل بأيّ طريقة كانت لإبطال هذا الإجماع، وتنبيه أتباعه على خطئهم، وإلّا فسكوته وعدم تدخّله يدلّ على رضاه بهذا الإجماع، وهو يعني حجّيته.

وقد نسبت هذه الطريقة التي عُرفت بالإجماع اللّطفي إلى الشيخ الطوسي، ولكن عند المراجعة نشاهد أنّ فكرة وجوب الظهور على الإمام في حالة ما لو خفيت بعض الحقائق على الأمّة موجودة قبل الشيخ الطوسي، بل قبل الشريف المرتضى، فقد جاء في بعض أجوبة المسائل الرسّية التي سألها الرسّي من المرتضى، أنّ السائل ذكر أنّ أحد طرق كشف قول الإمام من خلال الإجماع هو أنّ إمساكه عن النكير دليل على رضاه بالفتيا، أي أنّ سكوت الإمام وعدم تدخّله لتغيير الفتوى الخاطئة يدلّ على سكوته. وقد نسب السائل الرسّي هذه الفكرة إلى المتقدّمين من شيوخ الإمامية، لكنّه رفضها باعتبار أنّ الإمساك كما يدلّ على الرضا، كذلك قد يكون ناشئاً من الخوف الذي هو سبب الغيبة، والذي يمنع الإمام من الظهور لتصحيح الخطأ۱. إذن فكرة وجوب ظهور الإمام لتصحيح الخطأ كانت موجودة قبل الشيخ الطوسي حيث نسبها الرسّي إلى المتقدّمين من الشيوخ، كما صرّح بها الشيخ المفيد في بعض رسائله۲.

وقد آمن الشيخ المفيد بحجّية الإجماع أيضاً، واعتبر حجّيته ناشئة من دخول المعصوم بين المُجمِعين۳، لكن لا يوجد ما يدلّ على إيمانه بالإجماع اللّطفي المتقدّم.

1.. المصدر السابق، (جوابات المسائل الرسّية الأولى)، ج۲، ص۳۶۶-۳۶۷.

2.. المفيد، الفصول العشرة في الغيبة، ص۱۰۷؛ وانظر: مجلة فقه (بالفارسية)، السنة التاسعة، العدد ۳۱ - ۳۲، ص۲۸۲.

3.. المفيد، أوائل المقالات، ص۱۲۱؛ المفید، التذكرة بأصول الفقه، ص۴۵.


الشريف المرتضى و المعتزلة
116

وبعد وقوع الغيبة الصغرى وانقطاع الشيعة عن الإمام، كان الطريق الوحيد للوصول إليه منحصراً بالأبواب والنواب، فقد كانوا ينقلون أسئلة الشيعة التي كانوا يكتبونها عادة إلى الإمام، فيجيب من خلال التوقيعات التي تخرج من عنده۱.

ولكن بعد وقوع الغيبة الكبرى (سنة ۳۲۹ه‍ )، والانقطاع التامّ عن الإمام، لم يبقَ أيّ طريق للوصول إليه، لذلك بدأ علماء الشيعة الإمامية بالبحث عن طريق بديل يتسنّى لهم من خلاله التعرّف على رأي الإمام، فإنّ الإمامية يرون أنّ الإمام الغائب علیه السّلام حيّ يرزق، وأنّه يعيش بين الناس، ولا شكّ أنّه أحد العلماء، بل سيّدهم، وهو - حسب رأي الإمامية - الأعلم على الإطلاق بكلّ معالم الدين. وبما أنّه معصوم فكلّ آرائه - سواء في مجال الأصول أو الفروع - صحيحة ومطابقة للواقع يقيناً، فتكون معرفة رأيه في كلّ مسألة وسيلة ممتازة للتعرّف على معالم الدين.

ولكن ما السبيل إلى ذلك؟ وكيف يمكن التعرّف على رأي الإمام الغائب؟

لقد بدأ الإمامية بالبحث عن طريق جديد يختلف عن طرق المشافهة أو المكاتبة أو النوّاب التي تمّ إلغاؤها في عصر الغيبة الكبرى، فتوصّلوا إلى أنّ أفضل طريق للتعرّف على رأي الإمام الحيّ الغائب في هذا العصر هو الإجماع، فالإجماع وسيلة ممتازة لمعرفة آراء الإمام عند التباسها وعدم تميّزها. وقد كان الشريف المرتضى من علماء الإمامية الذين آمنوا بقيمة الإجماع، حيث قال: «إنّ الرسول والإمام إذا كان متميّزاً متعيّناً، عُلمت مذاهبه وأقواله بالمشافهة أو بالتواتر عنه، وإذا كان مستتراً غير متميّز العين - وإن كان مقطوعاً على وجوده واختلاطه بنا - عُلمت أقواله بإجماع الطائفة التي نقطع على أنّ قوله في جملة أقوالهم»۲.

إذن لقد اعتبر الإجماع وسيلة مهمّة جدّاً من قبل متكلّمي الإمامية للتعرّف على آراء الإمام الحيّ الغائب علیه السّلام. وقد بلغت أهميّة التمسّك بالإجماع حدّاً كبيراً في ظلّ

1.. النوبختي، التنبيه في الإمامة (ضمن كتاب إكمال الدين للشيخ الصدوق)، ص۹۰؛ الطوسي، الغيبة، ص۳۷۳.

2.. المرتضی، رسائل الشريف المرتضى (جوابات المسائل التبّانيات)، ج۱، ص۱۱.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1330
صفحه از 275
پرینت  ارسال به