107
الشريف المرتضى و المعتزلة

فهو ليس بصدد تعريف معنى العقل في الآيات والروايات، والذي يكون في بعضها خاصّاً ببعض المؤمنين، بل هو بصدد البحث عن المكلّف، من هو؟ فوجد أنّه ينبغي أن يكون قادراً وعالماً، وهذا العالِم يسمّى عاقلاً. وقد ساعده الاعتبار العُرفي على ذلك كما تقدّم. ومن هذا نفهم سبب تسمية أبناء العُرف بالعقلاء، فإنّهم يمتلكون قدراً مشتركاً من العلوم والمعارف التي تؤهّلهم لأن يكونوا مكلّفين۱.

لقد حاول المرتضى في هذا التعريف أن يشمل أكبر عدد ممكن من البشر، فهو هنا قد اكتفى بأدنى مستويات العقل حتّى يشمل أكثر البشرية؛ لكي يصحّ تكليفهم، فهو - كما تقدّم - يتحرّك في هذا البحث - أي بحث تعريف العقل - في مناخ «التكليف»، و«شروط التكليف والمكلّف»، ويريد أن يتعرّف على معنى المكلّف، وإلّا فإنّه يمكن افتراض معنى أخصّ للعقل؛ فالعقل بالمعنى المتقدّم - أي «مجموعة من العلوم» - لا يَمنع ولا يَعقل الإنسان دائماً من الأخطاء، بل قد يقع في كثير من الأخطاء حتّى مع امتلاكه لهذا العقل، لكن إذا تمتّع الإنسان بجنود العقل مثلاً المذكورة في الرواية المشهورة۲، فإنّها سوف تمنعه وتعقله من أخطاء أكثر. لكنّ العقل بهذا المعنى الجديد سوف ينطبق على أفراد معدودين فقط، ولا يشمل جميع المكلّفين، وهو لا يؤمّن هدف المرتضى ولا يَفي بغرضه، وبما أنّ غرضه من تعريف العقل هو البحث عن المعنى الذي يجعل المكلّف مكلّفاً، لذا اكتفى بأدنى مستويات العقل التي تتيح للمكلّف أن يكون مخاطَباً بالتكاليف الدينية.

ولهذا فإنّ المكلّفين سوف لن يختلفوا في مستوى هذا العقل، لأنّهم لا يختلفون في مستوى التكليف، فالكلّ مكلّف بالمعرفة، والكلّ مكلّف بمعرفة ما كلّف به. وبهذا سوف لن يكون للأنبياء علیهم السّلام مثلاً فضيلة على باقي البشر في العقل بهذا المعنیٰ؛ لأنّ عقلهم يساوي عقول البشر، فإنّهم مكلّفون كباقي البشر، بلى هم يتفوّقون على باقي البشر بعلوم أخرى غير العلوم التي تشكّل العقل۳.

1.. المرتضی، رسائل الشريف المرتضى (جوابات المسائل الرسّية الأولى)، ج۲، ص۳۲۲.

2.. الكليني، الكافي، ج۱، ص۲۰-۲۳.

3.. المرتضی، رسائل الشريف المرتضى (جوابات المسائل المصريات)، ج۴، ص۳۱.


الشريف المرتضى و المعتزلة
106

اللّغة يعني «المنع والحبس»۱، والعلوم التي يسمّى مجموعُها: «عقلاً»، انما سُمّيت كذلك لأمرين:

أحدهما: أنّها تمنع وتعقل النفس من القبائح والأفعال الشهوانية.

والآخر: مع ثبوت هذه العلوم، تثبت وتترسّخ العلوم المتعلّقة بالنظر والاستدلال، فكأنّها عاقلة ومانعة لها من الزوال، وكلّ ذلك تشبيهاً لهذه العلوم بعقال الناقة۲.

إنّ التوافق بين تعريف المرتضى للعقل مع المعنى اللّغوي له، ليس هو السبب الذي دعاه لتبنّي هذا التعريف؛ فالمعنى اللّغوي «المنع» ينطبق على تعريفات أخرى للعقل، مثل تعريفه بأنّه عبارة عن قدرة التمييز۳، أو تعريفه بأنّه «ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان»۴، وغير ذلك، فهذه التعريفات ينطبق عليها أيضاً معنى «المنع»؛ فإنّ قدرة التمييز بين الخير والشر، والصحيح والخطأ، تمنع الإنسان من ارتكاب الكثير من القبائح، كما أنّ ما يؤدّي إلى عبادة الرحمن واكتساب الجنان لابدّ أن يمنع الإنسان من القبائح، وإلّا لم يمكنه أن يوصل الإنسان إلى تلك المقامات.

إذن لم يكن المعنى اللّغوي للعقل هو الداعي للمرتضى لتبنّي تعريفه للعقل، وإنّما الذي دعاه لذلك هو العُرف والوجدان، فالمدار في تعريف العقل هنا هو المعنى العُرفي، لا اللّغوي. قال المرتضى بهذا الصدد: «والذي يدلّ على أنّ ما بينّاه هو العقل - دون ما قاله صنوف المُبطلين - أنّ عند حصول هذه العلوم وتكاملها يكون الإنسان عاقلاً، ومتى لم تتكامل لم يكن عاقلاً، وإن وجد على كلّ شيء سواها، فدلّ ذلك على أنّها العقل دون غيرها»۵.

إذن لقد عرّف المرتضى العقل تعريفاً عُرفياً، بحيث يشمل معظم أفراد البشر البالغين،

1.. ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج۴، ص۶۹.

2.. المرتضی، الذخيرة، ص۱۲۳.

3.. المفيد، النكت في مقدّمات الأصول، ص۲۲.

4.. الكليني، الكافي، ج۱، ص۱۱.

5.. المرتضی، الذخيرة، ص۱۲۲.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1280
صفحه از 275
پرینت  ارسال به