اللّغة يعني «المنع والحبس»۱، والعلوم التي يسمّى مجموعُها: «عقلاً»، انما سُمّيت كذلك لأمرين:
أحدهما: أنّها تمنع وتعقل النفس من القبائح والأفعال الشهوانية.
والآخر: مع ثبوت هذه العلوم، تثبت وتترسّخ العلوم المتعلّقة بالنظر والاستدلال، فكأنّها عاقلة ومانعة لها من الزوال، وكلّ ذلك تشبيهاً لهذه العلوم بعقال الناقة۲.
إنّ التوافق بين تعريف المرتضى للعقل مع المعنى اللّغوي له، ليس هو السبب الذي دعاه لتبنّي هذا التعريف؛ فالمعنى اللّغوي «المنع» ينطبق على تعريفات أخرى للعقل، مثل تعريفه بأنّه عبارة عن قدرة التمييز۳، أو تعريفه بأنّه «ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان»۴، وغير ذلك، فهذه التعريفات ينطبق عليها أيضاً معنى «المنع»؛ فإنّ قدرة التمييز بين الخير والشر، والصحيح والخطأ، تمنع الإنسان من ارتكاب الكثير من القبائح، كما أنّ ما يؤدّي إلى عبادة الرحمن واكتساب الجنان لابدّ أن يمنع الإنسان من القبائح، وإلّا لم يمكنه أن يوصل الإنسان إلى تلك المقامات.
إذن لم يكن المعنى اللّغوي للعقل هو الداعي للمرتضى لتبنّي تعريفه للعقل، وإنّما الذي دعاه لذلك هو العُرف والوجدان، فالمدار في تعريف العقل هنا هو المعنى العُرفي، لا اللّغوي. قال المرتضى بهذا الصدد: «والذي يدلّ على أنّ ما بينّاه هو العقل - دون ما قاله صنوف المُبطلين - أنّ عند حصول هذه العلوم وتكاملها يكون الإنسان عاقلاً، ومتى لم تتكامل لم يكن عاقلاً، وإن وجد على كلّ شيء سواها، فدلّ ذلك على أنّها العقل دون غيرها»۵.
إذن لقد عرّف المرتضى العقل تعريفاً عُرفياً، بحيث يشمل معظم أفراد البشر البالغين،
1.. ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج۴، ص۶۹.
2.. المرتضی، الذخيرة، ص۱۲۳.
3.. المفيد، النكت في مقدّمات الأصول، ص۲۲.
4.. الكليني، الكافي، ج۱، ص۱۱.
5.. المرتضی، الذخيرة، ص۱۲۲.