والعلم به، وتارة قد يكون المكلّف به هو نفس العلم، فهناك إذن تكاليف علمية كلّف بها الإنسان، مثل معرفة الله تعالى. ومثلُ هذه المعارف تتطلّب علوماً تكون مقدّمة لها، فمن دون تحقّق هذه العلوم المُقدّمية، يغدو التكليف بالمعرفة غير مقدور، فيكون تكليفاً بما لا يطاق أيضاً، وهو قبيح كما تقدّم.
إنّ اشتراط وجود العلم ببعض العلوم في التكليف يشبه اشتراط وجود القدرة في التكليف؛ فإنّ فاقد القدرة على الصيام يقبح تكليفه به، كما أنّ فاقد العلوم الأوّلية التي تساعد على معرفة الله تعالى مثلاً يقبح تكليفه بمعرفته تعالى؛ لأنّه عاجز عن ذلك، فهو كالطفل الذي لا يميّز الاستدلال الصحيح من الخطأ، فيقبح تكليفه بالنظر. إذن لكي يصحّ التكليف باكتساب المعارف، ينبغي أن يكون المكلّف حائزاً على مجموعة من العلوم.
وهذه العلوم غير محصورة بعدد، لكن يمكن حصرها بالصفة، وقد حُصرت في ثلاثة أقسام:
الأوّل: العلم بأصول الأدلّة، مثل العلم بأحوال الأجسام المتغيّرة، كالحركة والسكون، والقرب والبُعد، والعلم باستحالة خلوّ الذات من النفي والإثبات المتقابلين.
الثاني: ما لا يتمّ العلم بتلك الأصول إلّا به، مثل العلم بالعادات من أصول الأدلّة الشرعية.
الثالث: ما لا يتمّ الغرض المطلوب إلّا به، مثل العلم بجهات المدح والذمّ والخوف؛ حتّى يصحّ خوفه من إهمال النظر۱.
إذن يشترط في المكلّف أن يكون عالماً بمجموعة من العلوم، وإلّا قبُح تكليفه. ونخلص من ذلك إلى القول بأنّه يشترط في المكلّف شرطان: القدرة، والعلم.
وفي هذه النقطة نرجع إلى أصل بحثنا الدائر حول تعريف العقل، ونتسائل: ما هو ارتباط كلّ هذه البحوث - حول شروط المكلّف - بتعريف العقل؟!
للإجابة على هذا التساؤل ينبغي القول: إنّ مجموع العلوم المتقدّمة والتي تمّ حصرها في ثلاثة أقسام، إذا دقّقنا فيها نجد أنّها تؤدّي إلى مساعدة المكلّف على