99
الشريف المرتضى و المعتزلة

الأوّل: الاعتقاد بالشيء على ما هو عليه: أي الاعتقاد المطابق للواقع، فإنّ الاعتقاد غير المطابق للواقع لا يوصف بالعلم، بل هو جهل.

الثاني: سكون النفس: وقد أوضح لنا الشيخ الطوسي هذا العنصر فقال: «ونعني بسكون النفس أنّه متى شُكّك فيما يَعتقده لا يَشكّ، ويمكنه دفع ما يورَد عليه من الشبهة»۱. أي أن يكون الشخص الذي لديه علم، قد حصل على علمه من خلال الدليل، وهذا الأمر يسمح له أن يمتلك القدرة على ردّ أيّ إشكال يورَد على نظريته التي تبنّاها، ولا يحصل عنده الشكّ بمجرّد ورود الشبهة عليه، وهذا بطبيعة الحال يولّد عنده سكون النفس وطمأنينتها وراحتها.

ومن الواضح أنّ هذا السكون النفسي ليس له جانب ذاتي، بل هو ناشئ من الدليل، أي ليس كلّ سكون نفسي يسمّى علماً، فالاعتقاد الجازم والسكون النفسي الظاهري الموجود عند المقلّد مثلاً لا يسمّى علماً؛ لأنّه يزول بأدنى شبهة وإشكال، فالمقلّد لا يستطيع أن يردّ الشبهات التي تُطرح عليه، بل يزول اعتقاده ويتزلزل إيمانه بأدنى شبهة. وهذا يعني أنّ العلم ليس عبارة عن يقين ذاتي، بل هو يقين ناشئ من الدليل، بحيث يجعل العالِمَ قادراً على ردّ أيّ شبهة ترد عليه۲.

ويمكن إدراك أسباب كلّ هذا الاعتماد للمرتضى على «العلم» من خلال الرجوع إلى الآيات وروايات أهل البيت علیهم السّلام الناهية عن اتّباع غير «العلم»، مثل قوله تعالى: (وَ لَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)۳، ومثل الحديث التالي: «مَن دخل في

1.. الطوسي، الرسائل العشر (المقدّمة في المدخل إلى صناعة علم الكلام)، ص۷۴.

2.. إنّ هذا التعريف للعلم رغم احتوائه على عنصرَي المطابقة للواقع، وعدم التقليد، إلّا أنّه لا يحوّله إلى اليقين بالمعنى الأخصّ الذي يقصده المناطقة والفلاسفة، فتعريف هؤلاء لليقين بالمعنى الأخصّ يحتوي على عنصر ثالث مهمّ، وهو (عدم احتمال النقيض) (انظر: المظفّر، المنطق، ص۲۸۲)، أي أنّ المتيقِّن يجب أن يتيقّن بمفاد القضية وصدقها، وفي نفس الوقت يجب أن يتيقّن باستحالة نقيضها وعدمها، وبعبارة أخرى: (يجب أن يتيقّن بأنّ كذا كذا، ويستحيل أن لا يكون كذا كذا)، وهذا الأمر غير ملحوظ في تعريف المتكلّمين للعلم.

3.. الإسراء، الآية ۳۶.


الشريف المرتضى و المعتزلة
98

معتمدة لدى المرتضى، أن نبحث عن سبب اعتماده وولعه بالعقل، فهل كان اعتماده على العقل لأنّه عقل فقط، أم هناك سبب دعاه لتوجيه الاهتمام إلى العقل؟ لأجل الإجابة على هذا التساؤل ينبغي التوغّل أكثر في عقلانية المرتضى، والتنقيب عن البُنى التحتية لهذه العقلانية التي تعتبر ركيزة ترتكز عليها، وذلك من خلال طرح السؤالين التاليين:

السؤال الأوّل: إنّ اعتماد المرتضى على العقل يجعلنا نرجع خطوة إلى الوراء لنتسائل: ما هو سبب اعتماده على العقل، وأين يكمن سبب كلّ هذا الاعتماد؟

السؤال الثاني: هل العقل هو الأداة الوحيدة المعتمدة عند المرتضى في أبحاثه الكلامية، أم هناك أدوات أخرى تقف إلى جانب العقل، لتؤيّد نتائجه، ولتتقدّم عليه حيث يُحجِم؟

نستعرض الإجابة على هذين السؤالين من خلال البحوث التالية:

۱. سبب الاعتماد على العقل: لقد حاول الشريف المرتضى تأسيس منظومة فكرية رصينة وراسخة، لا يمكن هزّها وتهديدها بسهولة. إنّ بناء هكذا منظومة يتطلّب الاعتماد على أساس يمتلك قدراً كبيراً من اليقين والوضوح والعلمية، ويبتعد كلّ البعد عن الشكّ والظنّ، وقد تمكّن المرتضى من الحصول على هذا الاساس، وهو «العلم». فقد تحوّل العلم في فكر المرتضى إلى أساس ومعيار يتمّ بناءً عليه محاكمة كلّ أداة فكرية، فإنْ تمكّنت تلك الأداة من توفير العلم للباحث صارت معتمدة، وإلّا لم يبق لها دور في منظومته الفكرية.

فما هو المراد بهذا العلم، هل المراد به العلم الرياضي والبرهاني واليقيني بالمعنى الأخصّ؟ كلّا فهذه أفكار فلسفية ما كان المرتضى ليؤمن بها، وإنّما العلم عنده في الحقیقة يعني: «اعتقاد الشيء على ما هو عليه، مع سكون النفس»، وإن کان هو قد رفض إدخال عنصر الاعتقاد في تعریف العلم، مع قبوله بأنّ العلم من سنخ الاعتقاد؛ و ذلك لسببٍ مذکورٍ في کتبه۱. وهذا التعريف يحتوي على عنصرين:

1.. راجع: المرتضى، الذريعة، ص۴۲.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1309
صفحه از 275
پرینت  ارسال به