75
الشريف المرتضى و المعتزلة

الإمامي... وهو صاحب كتاب غرر الفوائد ودرر القلائد المشهور الذي يظهر فيه مذهب الاعتزال ظهوراً بارزاً»۱.

ولم يكن المستشرق الألماني الكبير المعاصر، والمختصّ بالدراسات الشيعية البروفسور ولفرد ماديلونغ، هو وتلميذه البارز الأب مارتن مكدرموت، لم يكونا بمنأىً عن هذه النظرة التي حكمت على الإمامية ككلّ، والشريف المرتضى خاصّة بالتأثّر بالتيّار الاعتزالي، وبالتحديد البصري البهشمي (نسبة إلى أبي هاشم الجبّائي (ت۳۲۱ه‍ ))۲.

كما أخذ هذا الاتّهام في العقود الأخيرة بالتغلغل في صفوف كتّاب الشيعة أنفسهم، فقد صرّح بعضهم باعتزالية المرتضى۳.

ولكن قال الدكتور عبد الرزّاق محيي الدين عند حديثه عن المرتضى: «وفرّق بين الإمامية والمعتزلة - وقد كان المذهب الإمامي يلتقي كثيراً مع الاعتزال، حتى لقد يقلّ أن تجد إمامياً غير معتزلي، وطالما طعن المعتزلة بالرفض - ولكنّه حاول محاولات كثيرة إلى الفصل بين الاعتزال والمذهب الإمامي، وأشار إلى مواطن التقائهم وخلافهم»۴.

ولأجل إلقاء الضوء على إشكالية اتّهام المرتضى بالاعتزال ينبغي أن يقال: لقد مارس المرتضى خلال عقود طويلة من عمره نشاطاً علمياً كلامياً كبيراً تمثّل من خلال العشرات من الكتب والرسائل وأجوبة المسائل التي كتبها وأوضح فيها آراءه الكلامية، ورغم كلّ هذا النشاط الملحوظ إلّا أنَّ فقدان الكثير من تلك المؤلفات والكتابات خلال قرون عديدة أدّى إلى التغطية على بعض الحقائق التي تكشّفت فيما بعد، فقد بقيت شخصية المرتضى الكلامية منحصرة تقريباً في كتابه «الشافي»، الذي كتبه كردّ على بعض أجزاء كتاب «المغني» للقاضي عبد الجبّار

1.. ابن المرتضى، طبقات المعتزلة (مقدّمة المحقّقة)، الصفحة (م).

2.. ماديلونغ، مكتبها و فرقه‌هاى اسلامى در سده‌هاى ميانه (الترجمة الفارسية)، ص۱۶۶ - ۱۶۹؛ مكدرموت، نظريات علم الكلام عند الشيخ المفيد، ص۴۹۰.

3.. انظر: الخراشي، كتاب التفصيل لجُمَل التحصيل (مقدّمة بالفارسية لحسن الأنصاري)، الصفحة (ل)؛ جبرئيلي، سير تطوّر كلام شيعه (بالفارسية)، ص۲۱۵؛ المَدَن، تطوّر علم الكلام الإمامي، ص۶۴.

4.. محيي الدين، أدب المرتضى، ص۵۸.


الشريف المرتضى و المعتزلة
74

وَوَضع ابنُ المرتضى (ت۸۴۰ه‍ ) الشريفَ المرتضى في طبقات المعتزلة، حيث عدّه في الطبقة الثانية عشرة۱.

وقال أحمد أمين: «فقد ألَّف كثيرٌ من المعتزلة كتبَ تفسير كثيرة تبلغ المئات، ولكن لم يصلنا منها شيء، إنّما وَصَلَنا منها كتاب مجالس الشريف المرتضى، فقد كان يعقد مجالس يفسّر فيها القرآن والحديث واللّغة على طريقة المعتزلة، إذ كان هو بنفسه شيعياً معتزلياً...فالآيات التي ذكرها، فسَّرها تفسيراً يوافق الأصول الخمسة للمعتزلة»۲.

وقال الزركلي في ترجمته: «يقول بالاعتزال»۳.

وقال الذهبي (المعاصر) عنه: «وكان مع تشيّعه معتزلياً، مبالغاً في الاعتزال»۴.

وقال عند حديثه عن أمالي المرتضى: «ليس في الأمالي أثر للتشيّع، وإنّما فيه عزوُ أصول المعتزلة إلى الأئمّة من آل البيت علیهم السّلام. هذا وإنّا لا نكاد نجد أثراً ظاهراً للتشيّع فيما فسّره الشريف المرتضى من الآيات في أماليه، رغم أنّه من شيوخ الشيعة وعلمائهم، غير أنّا نجد منه محاولة جدّية يريد من ورائها أن يثبت أنّ أصول المعتزلة مأخوذة من كلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السّلام، ومن كلام غيره من أئمّة الشيعة وغيرهم»۵.

وقد انتقلت عدوى اتّهام الشريف المرتضى بالاعتزال إلى المستشرقين:

فقد قال جولد تسيهر: «إنّ محاولات المرتضى في تفسير القرآن أخذت من تفسير الأستاذ المعتزلي القديم، الجبّائي»۶، والظاهر أنّه يعني به أبا عليّ الجبّائي أحد رؤوس المعتزلة.

وقالت سوسنَّه ديفلد محقّقة كتاب طبقات المعتزلة: «والشريف المرتضى

1.. ابن المرتضى، طبقات المعتزلة، ص۱۱۷.

2.. أمين، ظهر الإسلام، ص۲۴۱-۲۴۲.

3.. الزركلي، الأعلام، ج۴، ص۲۷۸.

4.. الذهبي، التفسير والمفسّرون، ج۱، ص۴۰۴.

5.. المصدر السابق، ص۴۲۵-۴۲۶.

6.. خشيم، علي فهمي، الجبّائيان، ص۲۲۵، الهامش۲.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1255
صفحه از 275
پرینت  ارسال به