169
الشريف المرتضى و المعتزلة

فداك، ممّن المعصية؟ فنظر إليَّ، ثم قال: «اجلس حتى أخبرك». فجلست، فقال: «إنّ المعصية لابدّ أن تكون من العبد، أو من ربّه، أو منهما جميعاً، فإن كانت من الله فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده، ويأخذه بما لم يفعله.

وإن كانت منهما فهو شريكه، والقوي أولى بإنصاف عبده الضعيف.

وإن كانت من العبد وحده فعليه وقع الأمر، وإليه توجّه النهي، ولحقه العقاب والثواب، ووجبت الجنة والنار».

قال: فلمّا سمعت ذلك قلت: ذرّية بعضها من بعض والله سميع عليم۱.

كما تقدّمت عبارة المرتضى حول أنّ أصول التوحيد والعدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين وأولاده الأئمّة علیهم السّلام.

أضف إلى ذلك أنّ الشيخ المفيد رفض نسبة الجبر إلى الإمامية، وقال: «ما دان أحدٌ من أصحابنا قطّ بالجبر، إلّا أن يكون عامّياً لا يَعرف تأويل الأخبار، أو شاذّاً عن جماعة الفقهاء والنُظّار»۲. وبذلك لا يمكن تقبُّل دعوى انحصار القول بالعدل بالمعتزلة، إلّا أن يقال إنّ أئمّة الشيعة علیهم السّلام كانوا معتزلة!!! وهو أمر مرفوض رفضاً باتّاً.

وقد آمن الشريف المرتضى كسائر الإمامية باختيار الإنسان، وأنّه فاعل لأفعاله الاختيارية، واستدلّ على ذلك بعدّة أدلّة، من أهمّها دليل توجّه المدح والذمّ، فباعتبار أنّ الإنسان عند فعله للأفعال الحسنة يوجَّه إليه لا لغيره المدح، وعند ارتكابه الأفعال السيّئة يوجَّه إليه لا لغيره أيضا الذمّ، ويوبَّخ على فعله، فهذا يدلّ على أنّ الإنسان هو الفاعل لتلك الأفعال، وهو الذي اختار أن يفعلها۳.

ويعتبر هذا الدليل سيّالاً ومتعدّد الاستعمالات، فقد استدلّ به المرتضى لإثبات

1.. المصدر السابق، ص۱۰۵؛ وانظر: الصدوق، التوحيد، ص۳۴۴ وما بعدها؛ المفيد، الفصول المختارة، ص۷۲ - ۷۳.

2.. المفيد، الحكايات، ص۸۳.

3..المرتضی، الملخّص، ص۴۵۳؛ وانظر: المرتضی، رسائل الشريف المرتضى (جوابات المسائل الطبرية)، ج۱، ص۱۳۵ - ۱۳۸؛ المصدر السابق، (مسألة في خلق الأعمال)، ج۳، ص۱۹۱.


الشريف المرتضى و المعتزلة
168

وقد تعرّض الإمامية حالهم حال باقي الفِرَق الأخرى إلى الاتّهام بالجبر، فقد اتّهم هشام بن الحكم - أكبر وأهمّ وأخطر متكلّم إمامي في عصر الحضور - بالجبر۱، لكنّ هذا الاتّهام يتنافى مع روايات أخرى عن هشام تدلّ على قوله بالاختيار، وأنّ الإرادة من الإنسان۲. أضف إلى ذلك أنّ هذا الاتّهام يتعارض مع اتّهام آخر لهشام، حيث اتّهم بأنّه يقول إنّ علم الله تعالى بالحوادث حادث، وقد نسبوا إليه تعليلاً لهذه الدعوى، وهو أنّه لو كان عالماً بالحوادث - مثل أفعال الإنسان - منذ الأزل لكانت أفعال الإنسان جبرية، وبما أنّها ليست كذلك فعلمه تعالى حادث۳ وهذا يعني أنّه كان يؤمن باختيار الإنسان. كما صرّح المرتضى بنفي نسبة الجبر إلى هشام، واعتبرها تهمة وُضعت من قِبَل الخصوم۴.

وقبل هشام، ذهب زرارة - كما سوف يأتي في بحث الاستطاعة - إلى القول بتقدّم الاستطاعة والقدرة على الفعل، وهذا صريح في الاعتقاد بالاختيار وحرّية الإنسان.

إذن لا يمكن بحالٍ اتّهام الإمامية بالجبر، ما دام أئمّتهم الذين يأخذ الإمامية منهم دينهم وعقائدهم كانوا قائلين بالاختيار، وما دام كبار متكلّميهم كانوا يذهبون الى ذلك.

ومن الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت علیهم السّلام، والتي صرّحت بالاختيار، ما روي أنّ أبا حنيفة النعمان بن ثابت قال: دخلت المدينة، فأتيت أبا عبد اللّٰه، فسلّمت عليه وقمت من عنده، ورأيت ابنه موسى في دهليزه قاعداً في مكتبه وهو صغير السنّ، فقلت له: أين يُحدِث الرجل عندكم إذا أراد ذلك؟ فنظر إليَّ، ثم قال: «يتجنّب شطوط الأنهار، ومسقط الثمار، وأفناء الدور، والطرق النافذة، والمساجد، ويضع ويرفع بعد ذلك حيث شاء».

قال: فلمّا سمعت هذا القول، نبل في عيني، وعظم في قلبي، فقلت له: جُعلت

1.. ابن قتيبة، تأويل مختلِف الحديث، ص۴۹.

2.. الأشعري، مقالات الإسلاميين، ص۴۰-۴۱.

3.. أسعدي، هشام بن حكم (بالفارسية)، ص۱۷۷-۱۸۱.

4.. المرتضی، الشافي في الإمامة، ج۱، ص۸۶-۸۷.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1269
صفحه از 275
پرینت  ارسال به