129
الشريف المرتضى و المعتزلة

أن يتنبّه إليه فإنّه يتراجع عن موقفه، ويتّخذ موقفاً موافقاً للإجماع. وقد حصل هذا الأمر مرّة معه في مسألة فقهية، فإنّه ذهب في المسائل الموصليات الثانية إلى حرمة الربا بين الأب والابن۱، لكنّه تنبّه في كتاب الانتصار إلى وجود إجماع للإمامية على عدم حرمة الربا في هذه المسألة، فتراجع عن رأيه مباشرة، وقال: «ثمّ لمّا تأمّلتُ ذلك، رجعتُ عن هذا المذهب؛ لأنّي وجدتُ أصحابنا مُجمِعين على نفي الربا بين مَن ذكرناه، وغير مُختلفين فيه في وقت من الأوقات، وإجماع هذه الطائفة قد ثبت أنّه حجّة»۲.

إذن مع وجود احتمال غفلة المرتضى عن بعض إجماعات الإمامية، فإذا وجدنا أحد العلماء ينقل إجماع الإمامية على مسألة، ووجدنا المرتضى يختار رأياً آخر مخالفاً لذلك الإجماع، فيجب التمهّل وعدم نسبة قول مخالف للإجماع إلى المرتضى؛ لأنّنا نعلم يقيناً أنّه لو كان مطّلعاً على الإجماع لما كان يتّخذ موقفاً مخالفاً له. فلعلّه غفل عن وجود الإجماع، وقام باختيار رأي مخالف، ولو كان مطّلعاً عليه لما خالفه. وبالطبع ينبغي أن لا نهمل احتمال خطأ الناقل للإجماع، فنحتمل أنّه لم يكن هناك إجماع من الأساس.

وإذا اتّضح هذا، يرد السؤال المهمّ التالي: إذا كان كلٌّ من العقل، والخبر المتواتر، والإجماع يؤدّي إلى «العلم»، فلو حصل تعارض بينها، فما هو المقدّم منها؟

لم يقم المرتضى بطرح هذا البحث أساساً، ولعلّ سبب ذلك يعود إلى وضوحه، فإنّ تعارض هذه الأدوات العلمية يساوي تعارض العلم مع العلم، واليقين مع اليقين، وهو أمر مستحيل. ولهذا لو حصل تعارض بين هذه الأدوات، فيجب أن يُعلم أنّ هناك خللاً في إحداها، فإمّا أن تكون مقدّمات الدليل العقلي غير تامّة، أو أنّ الخبر لم يصل إلى حدّ التواتر، أو أنّ الاتّفاق كان ظاهرياً، ولم يصل إلى حدّ الإجماع.

1.. المرتضى، رسائل الشريف المرتضى (جوابات المسائل الموصليات الثانية)، ج۱، ص۱۸۱-۱۸۵.

2.. المرتضى، الانتصار، ص۴۴۲.


الشريف المرتضى و المعتزلة
128

۳۰. إنّ محاربي أمير المؤمنين علیه السّلام كفّار۱.

۳۱. إنّ الجاهل بولاية أمير المؤمنين علیه السّلام مرتدّ۲.

۳۲. إنّ من يخالف الإمامية في الأصول كالتوحيد والعدل والنبوّة والإمامة كافر۳.

كما استدلّ بالإجماع - من دون أن يحدّد أنّه إجماع الأمّة أو الإمامية - على المسائل التالية:

۳۳. إنّ الأطفال والبهائم يُعادون كاملي العقول۴.

۳۴. إنّ الثواب خالص من الشوائب في الجنّة۵.

۳۵. إنّ وجود إمام واحد في كلّ عصر واجب۶.

يلاحَظ أنّ المرتضى استدلّ على مختلف أبواب العقائد بالإجماع - وإن كان أكثرها في باب الإيمان والكفر، والمعاد -، فهذه الإجماعات تعبَّر عن رأي الإمام المعصوم الحيّ الغائب علیه السّلام، وهي تأخذ حجّيتها - وفقاً لرأي المرتضى - من دخول الإمام بين المُجمِعين.

مخالفة المرتضى للإجماع:

لقد أدّى اعتماد المرتضى على الإجماع وخاصّة إجماعات الإمامية إلى اختلافه كثيراً مع المعتزلة، وخاصّة الجبّائيَّين منهم، فلم يتأخّر المرتضى في مخالفة المعتزلة - بشطرَيهم البصري والبغدادي - إذا ما وَجد إجماعاً للإمامية على أيّ مسألة من المسائل العقائدية؛ لأنه كإمامي معتقد بوجوب متابعة رأي الإمام المعصوم الغائب في كلّ آراءه، لايجرؤ على مخالفة إجماع الإمامية، لأنّه يعني مخالفة صريحة لقول الإمام.

طبعاً قد يغفل المرتضى أحياناً عن وجود الإجماع، فيتّخذ موقفاً معيّناً، لكنّه ما

1.. المصدر السابق، ص۴۹۵.

2.. المرتضى، رسائل الشريف المرتضى (جوابات المسائل الموصليات الثالثة)، ج۱، ص۲۲۵.

3.. المصدر السابق (مسألة عدم تخطئة العامل بخبر الواحد)، ج۳، ص۲۷۱.

4.. المرتضى، الذخيرة، ص۲۵۰.

5.. المصدر السابق، ص۲۸۵.

6.. المصدر السابق، ص۴۱۲، ۴۱۴، ۴۳۰.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1243
صفحه از 275
پرینت  ارسال به