125
الشريف المرتضى و المعتزلة

وهي أنّ الله تعالى اعتبر الإجماع حجّة، فإن أراد إجماع جميع الأمّة إلى آخر التكليف (أي إلى يوم القيامة)، فهذا يعني أنّ الإجماع ليس بحجّة؛ لأنّه سوف لن يبقى تكليفٌ حتى يكون الإجماع حجّة فيه، فلابدّ أن يكون إجماع كلّ عصر حجّة۱.

إذن هناك اختلاف جوهري حول حقيقة الإجماع بين المرتضى والمعتزلة - وهو ينعكس على الآراء التي سوف يتبنّاها كلٌّ منهم -، وأنّ اشتراكهم إنّما هو في لفظ «الإجماع».

والجدير بالذكر أنّ المرتضى قد اعتمد على الإجماع في الكثير من المسائل العقائدية، فهو لم يكن يعتمد على الإجماع بكثرة في إثبات الأحكام الشرعية - كما هو مشهور عنه - فقط، بل كان يُكثِر من الاعتماد عليه أيضاً في مجال الأبحاث العقائدية. وفي ما يلي قائمة ببعض تلك الأبحاث، فقد استدلّ الشريف المرتضى بإجماع الأمّة على ما يلي:

۱. إثبات صفتَي الحياة والوجود لله تعالى۲.

۲. إذا ثبت أنّ أهل الجنة غير مكلّفين، ثبت أنّ أهل النار وأهل الموقف كذلك؛ لإجماع الأمّة على عدم الفرق بينهم۳.

۳. إنّ معارف أهل الآخرة متساوية وغير مختلفة۴.

۴. إنّ الإيمان يُستحَق به الثواب الدائم۵.

۵. إنّ من أُدخل الجنة وأُثبت فيها، لا يخرج منها إلى النار۶.

۶. إنّ الحياة مرتفعة عن الفلك، وما يشتمل عليه من الكواكب۷.

۷. أجمع المسلمون على تكذيب المنجّمين۸.

1.. البصري، المعتمد، ج۲، ص۲۴.

2.. الطوسي، تمهيد الأصول، ص۴۳.

3.. المرتضى، رسائل الشريف المرتضى (مسألة في أحكام أهل الآخرة)، ج۲، ص۱۳۴.

4.. المصدر السابق، ص۱۳۸.

5.. المصدر السابق، (جوابات المسائل الطبرية)، ج۱، ص۱۴۸.

6.. المصدر السابق، ص۱۵۰.

7.. المصدر السابق، (مسألة في الردّ على المنجّمين)، ج۲، ص۳۰۳.

8.. المصدر السابق، ص۳۱۰.


الشريف المرتضى و المعتزلة
124

المدّعي للنبوّة نبيٌّ حقّاً، وأنّ قرآنه من عند الله تعالى، ثم يثبت قول الإمام ذلك - إذا التبس ولم تمكن معرفته - من خلال الإجماع. فهذا الإجماع - الكاشف عن قول الإمام ورأيه - لا يلزم منه الدور؛ لأنّ حجّية قول الإمام لا تتوقّف - بحسب هذا الفرض - على نبوّة النبي أو حجّية القرآن، بل على المعجزة۱.

أمّا المعتزلة الذين يثبتون حجّية الإجماع من خلال الكتاب والسنّة فلا يمكنهم الاستدلال بالإجماع على نبوّة النبي أو القرآن۲، لأنّه لا دليل لهم على حجّية الإجماع إلّا من خلال الآيات التي استدلّوا بها، أو حديث «لا تجتمع أمّتي على خطأ» - كما تقدّمت الإشارة اليه -، وبذلك لا يمكنهم أن يستدلّوا على النبوّة أو القرآن بواسطة الإجماع؛ لاستلزامه الدور بكلّ وضوح.

۶. هل إجماع كلّ عصر حجّة؟

اتّضح من خلال الاستدلال على حجّية الإجماع أنّ حجّيته غير خاصّة بعصر دون آخر، بل هي عامّة لكلّ العصور؛ لأنّ الإمام موجود في كلّ عصر، ولا يخلو زمان منه، فإجماع أهل كلّ عصر حجّة؛ إمّا باعتبار أنّ الإمام أحد العلماء بل سيّدهم، أو من باب أنّه يجب على الإمام إظهار رأيه إذا خفي على شيعته - كما تقدّم -، وهذا يتحقّق في كلّ عصر۳. وهذا يعني أنّ إجماع علماء عصر المرتضى - أي علماء القرن الرابع والخامس - حجّة، وإن كان هناك مخالف لهم من علماء القرون الماضية، فإنّ الإمام كان موجوداً في عصر المرتضى - وهو موجود على طول العصور -، فلابدّ أن يكون رأيه مطابقاً لإجماع علماء ذلك العصر؛ للاعتبارات المتقدّمة، ومخالفة أحد العلماء المتقدّمين لايضرّ، ما دام الإجماع كاشفاً عن قول الإمام.

ويتّفق المعتزلة على حجّية إجماع أهل كلّ عصر۴، لكنّهم يستدلّون بطريقة أخرى،

1.. الطوسي، العدّة في أصول الفقه، ج۲، ص۶۳۴.

2.. المرتضى، الذريعة، ص۴۳۳؛ البصري، المعتمد، ج۲، ص۳۵.

3.. المرتضى، الذريعة، ص۴۳۷؛ المرتضى، الذخيرة، ص۴۳۵.

4.. القاضي عبد الجبّار، المغني (الشرعيات)، ج۱۷، ص۱۷۳-۱۷۵، ۲۰۸؛ البصري، المعتمد، ج۲، ص۲۴، ۳۴.

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1310
صفحه از 275
پرینت  ارسال به