109
الشريف المرتضى و المعتزلة

وجود الله تعالى وصفاته يحتاج إلى هذه العلوم التي تکوَّن بمجموعها «العقلَ»، فلا يمكن أن تكون معرفة الله وصفاته جزءاً من تلك العلوم. فإذا قلنا إنّ العقل له معنى واحد، فهذا يعني أنّ العقل - بالمعنى المتقدّم - لا يتمكّن من إثبات النبوّة، لأنّ إثباتها يتطلّب علوماً أخرى إضافية - وهي معرفة الله وصفاته - غير العلوم التي يتكوّن منها العقل. ونفس الإشكال يُطرح في مجال معرفة الإمامة والمعاد وغيرها من التكاليف العلمية.

وينبغي التنويه إلى أنّ تعريف العقل بمجموعة من العلوم لم يكن معروفاً بين الإمامية قبل المرتضى، حتّى أنّ أستاذه الشيخ المفيد كان يؤمن بتعريف آخر للعقل، وقد تقدّمت الإشارة إليه، وهو أنّه عبارة عن قدرة التمييز۱.

ومن الجدير بالذكر أنّ كلّ ما تقدّم حول العقل يشبه إلى حدّ كبير كلام المعتزلة، فتعريفهم للعقل نفس هذا التعريف، أي «مجموعة من العلوم»، وتحليلهم لذلك نفس التحليل۲. وبذلك يمكن اعتبار المرتضى متأثّراً بهم في ذلك، وأنّ اختلافه معهم غير ناشيء من نظرته إلى العقل.

علاقة العقل والسمع

وبعد نهاية الحديث عن حقيقة العقل، من الأفضل أن لا نخلي البحث من الحديث عن علاقة العقل والسمع من وجهة نظر المرتضى.

فقد عاش المرتضى في عصر الغيبة، حيث انقطع ارتباط الأمّة بالإمام المعصوم علیه السّلام بسبب غيبته، فلم يعد يلتقي به أولياؤه - إلّا في حالات نادرة جدّاً - فضلاً عن أعدائه. وقد استغلّ مناوئو الشيعة هذا الظرف ليكيلوا إشكالات جديدة عليهم غير التي كانوا يوجّهونها لهم، فقد فتحت ظاهرة غيبة الإمام علیه السّلام باب إشكالات من نوع جديد، مثل أنّه إذا كان الهدف من تعيين الإمام هو الانتفاع به وبعلومه وهدايته، فإنّه بغيبته لم يعد بالإمكان تحقيق هذا الهدف، وبالتالي ستزول

1.. المفيد، النكت في مقدّمات الأصول، ص۲۲.

2.. انظر: القاضي عبد الجبّار، المغني (التكليف)، ج۱۱، ص۳۷۵-۲۷۹.


الشريف المرتضى و المعتزلة
108

ثم إنّ المرتضى يسمّي الحدّ الأدنى من العلوم الذي يُشترط في التكليف باسم: «كمال العقل». وقد أشار إلى كلّ هذه البحوث التي أشرنا اليها بعبارة مختصرة نذكرها فيما يلي: قال المرتضى: «ولأنّ العقلاء وإن اختلفوا في حصول العلوم الضرورية لهم وزادت في بعضهم ونقصت في بعض آخر، لا يجب أن يكونوا مختلفين في «كمال العقل»، ولا في العلوم المسمّاة بهذا الاسم؛ لأنّا إذا جعلنا هذا الاسم واقعاً على ما يحتاج العاقل إليه في معرفة ما كلّفه دون غيره، لم يكن ما فات بعضهم في هذه العلوم مسمّى بكمال العقل؛ لأنّه غير مخلّ بما كُلّفه»۱.

نتيجة البحث حول تعريف العقل

اتّضح ممّا تقدّم أنّ العقل عبارة عن مجموعة من العلوم التي تجعل الإنسان مكلّفاً۲، وأنّ كلّ عاقل مكلّف، وكلّ مكلّف عاقل، فإنّ بينهما نسبة التساوي من بين النسب المنطقية الأربع.

ولكن يطرح هنا سؤالان، هما: عندما يقال إنّ أحد مصادر المعرفة هو العقل - إلى جانب الكتاب والسنّة والإجماع - الذي يُستدلّ به على وجود الله تعالى والنبوّة والإمامة والمعاد، والذي يُقدَّم عند التعارض على ظواهر الكتاب والسنّة، هل المراد بهذا العقل نفس العقل المتقدّم، والذي كان بمعنى «مجموعة من العلوم»؟

قد يقال إنّه نفسه؛ فإنّ العقل واحد، وليس هناك عقلان، وإلّا لأشار المرتضى إلى تعريفهما معاً، لكنّه ذكر تعريفاً واحداً للعقل.

إلّا أنّ هذا التحليل قد يصطدم ببعض التساؤلات والإبهامات، وهي:

لأجل إثبات النبوّة مثلاً بالعقل، لا تكفي العلوم المسمّاة «عقلاً» لذلك؛ فإنّ إثبات النبوّة يتوقّف على إثبات وجود الله تعالى وبعض صفاته، ومعرفة الله وصفاته ليست من العلوم التي يتكوّن منها العقل بالمعنى المتقدّم؛ لأنّ نفس إثبات

1.. المرتضی، رسائل الشريف المرتضى (جوابات المسائل الرسّية الأولى)، ج۲، ص۳۲۲.

2.. وينبغي الإشارة إلى أنّ هذا لا يعني أنّ إطلاق العقل على العلم إطلاق حقيقي، بل هو إطلاق مجازي، كما صرّح المرتضى نفسه بذلك. (انظر: المرتضی، الذخيرة، ص۵۸۵)

  • نام منبع :
    الشريف المرتضى و المعتزلة
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1296
صفحه از 275
پرینت  ارسال به