55
أحاديثُ أميرِ المؤمنينَ عليٍّ علیه السّلام برواية عبد العظيم الحسني رحمه الله

«استقامَ» متعدّية، مع أنّه لم يرد في كتب اللغة متعدّية بهذا المعنى. ویُحتمل أيضاً أن يكون اللفظ مجروراً بالباء وأن يكون لفظ «استقامة» معطوفاً عليه، وعلى هذا الفرض لا نواجه إشكالاً مع عدم تعدية «الاستقامة»، لكنّي لم أجد كلمة تناسب هذا الشكل ولها معنىً يناسب المقام.

النموذج الخامس عشر: في الحديث (۱۶): «من استغنى باللّٰه افتقر الناس إليه، ومن اتّقى اللّٰه أحبّه الناس وإن كره». في المخطوط: «كره»، وفي كشف الغمّة: «كرهوا»، فإن كان الضمير هنا في «كره» راجعاً إلى «مَن» فهو صحيح، ولكن إن كان الضمير راجعاً إلى «الناس» فهو تصحيف، حيث لا يوافق القواعد، ويجب أن يقال: «كرهوا» كما في كشف الغمّة، ويختلف المعنى في الحالتين، فعلى الأوّل: معناه أنّ الناس يحبّونه وإن كان المتّقي يكره محبوبيتَه عندهم، وعلى الثاني: معناه أنّ المتّقي محبوبٌ عند الناس وإن كان الناس لا يريدون محبوبيته عندهم، كما هو واضح. لكنّ أصل المعنى بينهما واحد، وأعتقد أنّ هذه الاختلافات لا يمكن أن يبني عليها شيء بعد وجود ظاهرة النقل بالمعنى و....

النموذج السادس عشر: في الحديث (۷۹): «ومَن نَظَّفَ ثَوبَهُ قَلَّ هَمُّه»، لكنّ الموجود في المخطوط هكذا: «ىصف نوبه»۱، فلذا ربّما يُقرأ: «من يَصِفْ نَوْبَه»، وله وجهٌ؛ لأنّ «النَوْب» في اللغة بمعنى المصيبة۲، وعليه فمعنى الجملة: إذا وصف الإنسان ما نزلت به من المصيبة والبلاء يخفّف من همه وغمّه، وهذا نوعُ تسكينٍ له.

هذا، لكنّ التوصية بهذا الأمر لا ینسجم مع ما ورد من الروايات في مدح كتمان الوجع والبلاء. ومن جهة أُخرى فقد وردت الفقرة في بعض المصادر الأُخرى۳ هكذا: «من نظَّف ثوبه قلّ همّه». فمِن جميع ذلك يبدو أنّ «نظف ثوبه» هو الأصل ووقع تصحيفٌ في المقام، فلذلك أثبتُّه في المتن.

وهناك نماذج أُخرى ذكرتُها في هوامش الكتاب، وأكتفي بهذا المقدار هنا.

1.. بدون أية نقطة في الحرف الأول. و الصاد في هذا المخطوط لا يشبه الظاء. و هناك نقطة واحدة فوق النون.

2.. "نَابَهُ‏ أمرٌ أي أصابه" الصحاح، ج‏۱، ص۲۲۹؛ "النَّوْبُ‏: نُزولُ الأَمْرِ" القاموس المحيط، ج‏۱، ص۱۸۰؛ "ما ينوب الإنسان: أي ينزل به من المهمّات و الحوادث" النهاية، ج‏۵، ص۱۲۳.

3.. سيأتي إن شاء اللّٰه ذكر مصادر الحديث بالتفصيل ذيل الرواية في الكتاب.


أحاديثُ أميرِ المؤمنينَ عليٍّ علیه السّلام برواية عبد العظيم الحسني رحمه الله
54

فيجب على العاقل أن ينام لها إلی إدبارها، فإنّ مكابدتها بالحيلة عند إقبالها زيادة فيها». لكنّ في المخطوط هكذا: «مكاىدتها» بدون نقطة تحت الباء، وحینئذٍ يُحتمل وجهان: «المكايدة» و«المكابدة». والمكايدة بمعنى المكر والحيلة، وورد باب المفاعلة منه في اللغة۱، والمكابدة بمعنى «المشاقّة في الخصومة»۲ و«المقاساة»۳ و«تحمّل المشاقّ في فعل شيء»۴. ويؤيّد الاحتمال الثاني أنّ الموجود في كشف الغمّة أيضاً: «مكابدة»، ولأنّ لفظ «بالحيلة» زائد في الوجه الأوّل، فإنّ «المكايدة» بنفسها تدلّ على هذا المعنى.

النموذج الرابع عشر: في الحدیث(۶۷): «صاحب المعروف محَكَّم مجبّر في ابتدائه، فإذا اصطنعه حكم المعروف عليه نزئه واستقامه»، ولم یرسم الكاتب نقاط «ىرىه»، ففهم المراد منها مشكل جدّاً، حيث يُحتمل فيه وجوه كثيرة. والظاهر أنّ الحديث بمعنى أنّ فاعل الخير في بداية الأمر يحمل نفسه على فعل الخير مع شيء من الكراهة، ولكن بعد مدّةٍ يجد أنّ نفس المعروف صار حاكماً عليه ویحمله على فعل الخير ويستقيم أمره.

وراجعتُ الاحتمالات المختلفة ولم أجد لفظاً مناسبا للمقام وشبيها بشكل هذا اللفظ إلّا فعل «نَزَأَه»؛ ومعناه الحمل على الشيء، كما ورد في اللغة۵، وهو مؤيدٌ لما ذكرتُه من معنى الحديث، خصوصاً ما ورد من «رجلٌ‏ مَنْزُوءٌ... أي مُولَعٌ»، وهذا يعني يولع صاحبه بفعل المعروف بعد كراهته في البداية۶.

لكن على فرض قبول احتمال كونها «نَزَأَه» أيضاً نواجه إشكالاً آخر؛ لأنّه يجب أن تكون لفظة

1.. راجع: الصحاح، ج۲، ص۵۳۳؛ تاج العروس، ج۵، ص۲۳۲.

2.. العين، ج۵، ص۳۳۴.

3.. الطراز الأول، ج۶، ص۲۱۱.

4.. المصباح المنير، ج۲، ص۵۲۳.

5.. "نَزَأْتُ‏ عليه‏ نَزْءًا: حَمَلْتُ. يقال: ما نَزَأَكَ‏ على هذا، أي ما حَمَلَكَ عليه و رجلٌ‏ مَنْزُوءٌ بكذا، أي مُولَعٌ" الصحاح، ج‏۱، ص۷۵ و معجم المقاييس، ج‏۵، ص۴۱۹ و "نَزَأَه‏ على صَاحِبِه: حَمَلَه عَلَيْه" المحكم و المحيط الأعظم، ج‏۹، ص۸۰.

6.. هذا، و لكن قد يشكل بأنّه مستعمَلٌ هنا بالمعنى الإيجابي مع أنّه في اللغة بالمعنى السلبي، لأن ابن سيدة قال بعد ما تقدم ذكره: "و إذا كانَ الرَّجُلُ على طَرِيقَةٍ حَسَنَةٍ أو سَيِّئَةٍ، فتحوَّلَ عَنْها إلى غَيْرِها، قُلْتَ مُخاطِبًا لنَفْسِكَ: إنَّكَ لا تَدْرِى عَلَامَ‏ يُنْزَأُ هَرِمُكَ‏، أي: إِنَّكَ لا تَدْرِى إِلَامَ تَؤُولُ حالُكَ". المحكم و المحيط الأعظم، ج‏۹، ص۸۰ و لكن هذا معناه في سياقٍ و لا يدل على أنّه بالمعنى السلبي في كل استعمالاته.

  • نام منبع :
    أحاديثُ أميرِ المؤمنينَ عليٍّ علیه السّلام برواية عبد العظيم الحسني رحمه الله
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    01/01/1399
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 442
صفحه از 131
پرینت  ارسال به