فقَدِمَ۱ البصرةَ فجَمَعَ بينهما، فقال إياس للشامي: أيّها الرجل، سل عنّي و عن القاسم فقيهَي المصر الحسن و ابن سيرين، فمَن أشار۲ عليك بتوليته فَوَلِّه، و كان القاسم يأتي الحسنَ و ابن سيرين، و لم يكن إياس يأتيهما، فعَلم القاسمُ أنّه إن سألهما أشارا به، فقال للشامي: لا تسأل عنّي و لا عنه ؛ فو اللّه الّذي لا إله إلاّ هو إنّ إياسا أفضل منّي و أفقَه و أعلم بالقضاء، فإن كنتُ عندك ممّن يصدَّق إنّه ينبغي۳ أن تَقبل منّي، و إن كنتُ كاذبا فما يَحِلّ لك أن تولّيني و أنا كاذب. فقال إياس للشامي: إنّك جِئتَ برجُلٍ فأقمتَه على شفيرِ جهنّمَ فافتدى نفسَه من النار أن تقذفه۴ فيها /۴۲۲/ بيمين حَلَفَها كَذَبَ فيها يستغفر اللّهَ منها و يَنجو ممّا يَخاف. فقال الشامي: أمّا إذا۵ فَطَنتَ لهذا فإنّي اُوَلِّيك۶. فاستقضاه على كراهته۷.۸
و ذُكر عن سُفيان: لا تَصحَبْ قاضيا، و لا تَصحبْ مَن يَصحَب قاضيا، و لا تصحب من يصحب من يصحب قاضيا.۹ و إنّما أراد الّذين تَقلَّدوا القضاءَ مِن قِبل الظَّلَمةِ على أنّه يجوز أن يَتقلّد القضاءَ مِن قِبلهم إذا عَلِمَ أنّه يَضَعُ الاُمورَ مَواضِعَها، و يَأمُر بالمعروف، و يَنهى عن المنكر، و هيهات ذلك! و الأولى أن لا يَعرِفَهم و لا يَعرِفوه، و هذا كلام مُشفِق لك مُناصِح.
و فائدة الحديث: إعلام صعوبةِ أمرِ الفتنة إذا ثارت، و مزاولةِ الملوك إذا جارت، و أنّ العالِم يُمكن أن يَستمسك بهَديِ علمه فينجو إن فَعَلَ، و لم يَخدَعه الجاهُ و الحرمة و المال و