57
ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّالث

في عمره و ما يُنفِقه على نفسه و عِياله و أقرابائه و جيرانه و إخوانه و المسلمين كلّه في سبيل واحد إذا أراد اللّه‏َ تعالى بذلك، ثمّ استَثنى عليه‏السلام ۱ من ذلك ما يُنفَق في البناء.

و قوله عليه‏السلام: «في التراب أو البناء» ما يخلو من وجوه: أحدُها أن يكون الحديثُ كصورته۲ هذه ؛ و ذلك لأنّ البِناء أيضا من التراب، فيكون المعنى: إلاّ ما ينفقه في الطين للبِناء. و يجوز أن يكون الراوي قد تَشَكَّك فلا يَدري أ قاله النبيُّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله في التراب أو البناء؟ و إنّما قال أحدهما فأتى۳ بهما مترجّحا في الشكّ بينهما ؛ يعني۴ أنّه عليه‏السلام إمّا قال هذا أو ذاك. و له وجه آخَر ؛ و هو أن يكون قوله «في التراب» معناه: ما يَخبَؤُه۵ في التراب أو يُنفقه۶ في البناء. و ما يَخبؤه في التراب لا يكون نفقةً، فحينئذ يكون الاستثناءُ منقطعا، و المعنى: لكنّ الّذي يخبؤه في التراب يُعاقَب عليه، أو ما يُشبهه. و ما ينفقه في البناء أيضا لا يُطلَق عليه الإنفاقُ إلاّ مَجازا ؛ لأنّ النفقة حقيقتهما في الطعام و الشراب و اللباس، و هَبْ أنّ بناءه فوق ما يكفيه مباح ؛ فإنّه أيضا۷ لا يؤجر عليه ؛ لأنّه لا ثواب على المباح، كما أنّه لا عقاب عليه، و هيهات ؛ فإنّه تضييع۸ المال فيما لا يُجدي ؛ و هو من نتائج طول الأمل و شدّة الحرص، و كلّ منهما مذموم.

فيقول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: المؤمن يؤجَر في جميع ما ينفقه على نفسه و عياله و۹ المستحِقّين، إلاّ ما يجعله في الأبنية زيادةً على الحاجة ؛ و ذلك أنّ قدر ما يُكِنُّه۱۰ بمنزلة اللباس.

1.. «ألف» : «عليه» بدل «عليه السلام» .

2.. «ألف» : عبادة .

3.. «ألف» : فأبى .

4.. «ألف» : بمعنى .

5.. «ألف» : تخبأه .

6.. «ألف» : تنفقه .

7.. «أب» : ـ أيضا .

8.. «ألف» : تضيع .

9.. «ألف» : ـ و .

10.. «ألف» : يكفيه .


ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّالث
56

فحَذَفَ الحرفَ، و أوصَلَ الفعلَ ؛ فهو على تقدير الحرف.

و «الشفاعة»: سؤال دفع مضرّة عن الغير بشريطة أن يكون المسؤول أعلى درجةً مِن السائل، و أصل «ش ف ع» ضمّ شيء۱ إلى مثله، فكأنّ۲ المستشفِعَ يَطلب ناصرا يَضُمّه إلى نفسه ؛ ليَسعى له كما يسعى، و يتعاونَ معه على ما هو بصدده، فيقول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: لكلّ نبيّ دعوةٌ دعاها، و دعوةُ النبيّ لا شكّ مُجابةٌ، و أمّا أنا فما دَعَوتُها، بل سترتُها و ادّخرتُها ليوم القيامة و افتقار الاُمّة إليها.

و روي عنه صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: إِنّ شفاعتي للملطَّخِينَ بالكبائر.۳ أو كما قال عليه‏السلام.

و شفاعةً نصبٌ حالٌ، التقديرُ اختَبأتُ دعوتي كائنةً شفاعةً لاُمّتي أشفَعُها لهم يوم القيامة، و حقيقة هذا الكلام أنّي ما دعوت الدعوة المرخَّص لي فيها في الدنيا، بلى أشفَعُ في القيامة عِوَضا عنها۴، /۳۷۱/ و يجوز أن يكون «شفاعةً» نصبا مفعولاً له ؛ أي اختبأتُ الدعوةَ للشفاعة، فهي علّة الاختباء.

و فائدة الحديث: إعلام۵ أنّه يَشفع يومَ القيامة لاُمّته فيَستوهب ذنوبَهم ؛ ليَدخُلوا الجنّة.

و راوي الحديث: أنس بن مالك.

۶۶۹.قوله صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: إِنَّ الْمُؤمِنَ يُؤجَرُ في نَفَقَتِهِ كُلِّها إِلاَّ شَيئاً /۴۱۷/ جَعَلَهُ في التُّرابِ أَوِ البِناءِ.۶

إنّما يؤجَر المؤمنُ في النفقة لأنّها قوام عيشه و سببُه الّذي يَتقوّى به على العبادة و الطاعة

1.. «ألف» : الشيء .

2.. «ألف» : و كان .

3.. لم نعثر عليه هكذا ؛ لكن روي أنّه صلى‏الله‏عليه‏و‏آله قال : «إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من اُمّتي» . راجع : التوحيد ، ص ۴۰۸ ، ح ۶ ؛ كتابمن لا يحضره‏الفقيه ، ج ۳ ، ص ۵۷۴ ، ص ۴۹۶۳ ؛ سنن أبي داود ، ج ۲ ، ص ۴۲۱ ، ح ۴۷۳۹ ؛ سنن الترمذي ، ج ۴ ، ص ۴۵ ، ح ۲۵۵۲ و ۲۵۵۳ .

4.. «ألف» : ـ عنها .

5.. «ألف» : ـ إعلام .

6.مسند الشهاب ، ج ۲ ، ص ۱۳۵ ، ح ۱۰۴۶ ؛ مسند أحمد ، ج ۵ ، ص ۱۱۰ ؛ فتح الباري ، ج ۱۰ ، ص ۱۰۹ ؛ المعجم الكبير ، ج ۴ ، ص ۶۱ مع اختلاف يسير في الثلاثة الأخيرة .

  • نام منبع :
    ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّالث
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: الإمام السید ضیاء الدین أبو الرضا فضل الله بن علیّ بن عبید الله الحسنی الراوندی؛ تحقیق: مهدي سليماني آشتياني
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1397
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 11021
صفحه از 465
پرینت  ارسال به