مَعبرا إلى الآخرة، و جَعَلَ تلوّنَها دليلاً على قلّة لبثها، فالعاقل۱ مَن يَرفَع منها زادا لمعاده، و لا يُتبِعُ نفْسَه هواها ؛ فإنّها لا تَبقى على حال، بينا تَرى الشيءَ فيها رائقا فائقا يُعجِب الناظرَ و يُشغِل الخاطرَ، فتَكُرُّ۲ النظرَ إليه، فلا تَعرِفه لتَنكُّره و تغيّره.
و روى ثابت البناني عن أنس بن مالك: أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله سابَقَ رَجُلاً فسَبَقَه رسولُ اللّه صلىاللهعليهوآله فسُرَّ بذلك المُسلِمونَ، ثمّ قال الرجل للنبيّ عليهالسلام: أ تَعودُ۳ يا رسولَ اللّهِ؟ قال: نَعَمْ. فسابَقَه، فسَبَقَه الرجلُ، فكَرِهَ ذلك رَسولُ اللّه صلىاللهعليهوآله، و كَرِهَه أصحابُه، فقال: إنّ حقّا على اللّه تعالى أن لا يَرفَعَ شيئا۴ من الدنيا إلاّ وَضَعَه.
و قوله عليهالسلام: «حقّا» نكرة، و إنّما جاز أن يُجعَلَ اسم «إنّ» لمكان أنّه قد تحدّد بقوله عليهالسلام: على اللّه تعالى.
و فائدة الحديث: إعلام أنّه ليس شيء من اُمور الدنيا إلاّ و هو متغيّر عن حالته الاُولى، و حثٌّ على قطع علائقها و بَتِّ۵ وثائقها.
و راوي الحديث: أنس بن مالك.
۶۵۱.قوله صلىاللهعليهوآله: إِنَّ لِجَوابِ الكِتابِ حَقّاً كَرَدِّ السَّلاَمِ.۶
هذا مِن الآداب الّتي لا يَزالُ يُكرّرها على الأسماع، فيقول: كما أنّ جواب سؤال الحاضر
1.. «ألف» : و العاقل .
2.. «ألف» : فتنكر .
3.. «ألف» : أ نعوذ . و في المصدر : العود .
4.. في المصدر : لا يرتفع شيء .
5.. «ب» : بثّ .
البَتّ : القطع المستأصل ، يقال : بَتَتُّ الحبل فانبَتَّ أي قطعتُه .
6.مسند الشهاب ، ص ۱۱۹ ، ح ۱۰۱۰ ؛ الأدب المفرد للبخاري ، ص ۲۳۹ ، ذيل ح ۱۱۵۱ و فيه عن ابن عبّاس مع اختلاف يسير ؛ التاريخ الكبير ، ج ۷ ، ص ۷ ، ح ۲۸ (كما في الأدب المفرد) ؛ الجامع الصغير ، ج ۱ ، ص ۳۶۷ ، ح ۲۳۹۷ ؛ كنز العمّال ، ج ۱۰ ، ص ۲۴۳ ، ح ۲۹۲۹۳ ؛ كشف الخفاء ، ج ۱ ، ص ۲۳۵ ، ح ۷۱۶ .