بيت التراب، و اقتطعه من الحبائب و الأحباب، لم ينصره إخوانُه /۵۰۴/ إلاّ بقطرات دموع قُصاراها الانقطاع، و لم يُغنِ عنه أعوانُه بقيامٍ عاقبته الاضطجاع، فبقي مسكيناً وحيداً رهين عمله مقطوعاً عليه طريقُ أمله.
و روى ابن الهاد، قال: أتى رجُلٌ رسولَ اللّه صلىاللهعليهوآله يشكو جاراً له فقال: اصبِر على أذاه، و اكفُف. ثمّ أتاه بعد ذلك يشكو، فقال له مِثلَ ذلك، ثمّ أتاه فقال: يا رسول اللّه، إنّ الّذي كنت أشكوه هَلَكَ. فقال صلىاللهعليهوآله: كفى بالموت واعظاً، و كفى بالموت مفرِّقاً.۱
ثمّ قال عليهالسلام: «كفى باليقين غنًى»، و اليقين: علم قطعيٌّ بعد الشكّ، و لذلك لا يقال للّه تعالى: موقن، و يقال له۲: عالم ؛ لأنّ عِلمَه ـ عزّ وجلّ ـ ليس عن شَكٍّ.
فيقول عليهالسلام: كَفاك مِن الغنى يقينُك بربّك ؛ فإنّك بهذا اليقين و الإقرار أغنى الأغنياء ؛ لأنّه يَتأدّى بك إلى بقاء الأبد۳ في نعيم و سُرور و بهجة و حُبور۴ و قُصور و حور ؛ نُزُلاً مِن رحيم غفور۵، و في الدنيا أيضاً لا يُهملك ؛ بل يَفتح عليك أبوابَ الرزق إذا توكّلت عليه و انقطعت إليه.
ثمّ قال عليهالسلام: «كفى بالعبادة شغلاً» ؛ يعني أنّها هي الشغل الّذي خُلقتَ له لتَنال۶ بها السعادةَ الأبديَّة و النعمة السرمديَّة، فتكفيك العبادة عوضاً عن كلّ شغل، فَالْهَ عن جميعها،