و روي: أنّ بعض الزهّاد دخل على هارون الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين، هل تستطيع أن تَسمع منّي كلاماً خشناً؟ قال: لا ؛ فإنّ اللّه تعالى بعث مَن هو خير منك إلى من هو شرّ منّي فقال: «فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنا»۱.۲
و قال بعض ملوك بني اُميّة لأبي حازم: ما النجاة مِن هذا الأمر الّذي نحن فيه؟ قال: شيئان: لا تأخذه إلاّ بحقّه، و لا تَضَعه إلاّ في حقّه۳. قال: و مَن يطيق ذلك يا أبا حازم؟ قال: مَن طلب النجاة و هرب من النار.۴
و على الجملة فالفرار منهم أصوب.
قال الخليل بن أحمد و قد دعاه بعض الاُمراء، فأبى و أنشد:
و إذا أكلتُ كُسَيرَتي
و شربتُ من ماء الغدير
فأنا الخليفة لا الّذي
يُعلى به فوق السرير۵
و قال عبد اللّه بن المبارك:
قد أرَحْنا و استرحنا مِن غُدُوٍّ وَ رَواحِ
و اتِّصالٍ بأمير و وزير ذي سَماحِ
بكَفاف وَ عَفاف۶ و قُنوع و صَلاحِ
و جعلنا اليأسَ مفتاحاً لأبواب النَّجاحِ۷
قد جاء القنوع بمعنى القناعة.
و فائدة الحديث: إعلام أنّ إسماع الأمير الجائر الكلمةَ من الحقِّ من أعظم الجِهاد.
1.. طه ۲۰ : ۴۴ .
2.. نقل بالمعنى . راجع : الفاضل للمبرّد ، ص ۹۴ ؛ العقد الفريد ، ج ۳ ، ص ۱۱۰ ؛ التذكرة الحمدونية ، ج ۷ ، ص ۱۸۴ ؛ البداية والنهاية : ج ۱۰ ، ص ۲۳۵ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج ۷۳ ، ص ۳۰۱ .
3.. «ألف» : بحقّه .
4.. روي ما يقرب من هذا في ما بين بعض بني مروان و أبي حازم . راجع : تاريخ مدينة دمشق ، ج ۲۲ ، ص ۲۸ ؛ أدب الدنيا والدين ، ص ۱۲۹ ؛ البيان و التبيين ، ص ۴۵۴ .
5.. لم نعثر عليه .
6.. في المصدر : بعفاف و كفاف .
7.. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ۱۹ ، ص ۲۴۷ .