211
ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّالث

و روي: أنّ بعض الزهّاد دخل على هارون الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين، هل تستطيع أن تَسمع منّي كلاماً خشناً؟ قال: لا ؛ فإنّ اللّه‏ تعالى بعث مَن هو خير منك إلى من هو شرّ منّي فقال: «فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنا»۱.۲

و قال بعض ملوك بني اُميّة لأبي حازم: ما النجاة مِن هذا الأمر الّذي نحن فيه؟ قال: شيئان: لا تأخذه إلاّ بحقّه، و لا تَضَعه إلاّ في حقّه۳. قال: و مَن يطيق ذلك يا أبا حازم؟ قال: مَن طلب النجاة و هرب من النار.۴

و على الجملة فالفرار منهم أصوب.

قال الخليل بن أحمد و قد دعاه بعض الاُمراء، فأبى و أنشد:

و إذا أكلتُ كُسَيرَتي

و شربتُ من ماء الغدير

فأنا الخليفة لا الّذي

يُعلى به فوق السرير۵

و قال عبد اللّه‏ بن المبارك:

قد أرَحْنا و استرحنا مِن غُدُوٍّ وَ رَواحِ

و اتِّصالٍ بأمير و وزير ذي سَماحِ

بكَفاف وَ عَفاف۶ و قُنوع و صَلاحِ

و جعلنا اليأسَ مفتاحاً لأبواب النَّجاحِ۷

قد جاء القنوع بمعنى القناعة.

و فائدة الحديث: إعلام أنّ إسماع الأمير الجائر الكلمةَ من الحقِّ من أعظم الجِهاد.

1.. طه ۲۰ : ۴۴ .

2.. نقل بالمعنى . راجع : الفاضل للمبرّد ، ص ۹۴ ؛ العقد الفريد ، ج ۳ ، ص ۱۱۰ ؛ التذكرة الحمدونية ، ج ۷ ، ص ۱۸۴ ؛ البداية والنهاية : ج ۱۰ ، ص ۲۳۵ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج ۷۳ ، ص ۳۰۱ .

3.. «ألف» : بحقّه .

4.. روي ما يقرب من هذا في ما بين بعض بني مروان و أبي حازم . راجع : تاريخ مدينة دمشق ، ج ۲۲ ، ص ۲۸ ؛ أدب الدنيا والدين ، ص ۱۲۹ ؛ البيان و التبيين ، ص ۴۵۴ .

5.. لم نعثر عليه .

6.. في المصدر : بعفاف و كفاف .

7.. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ۱۹ ، ص ۲۴۷ .


ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّالث
210

بلى إن كان يَعلم أنّ كلمته نافعةٌ و إن كان يُغضَب عليه غضباً غيرَ /۴۷۵/ مُهلِك و لا مُذِلٍّ فإنّها من أفضل الجهاد ؛ و إنّما صارت مِن۱ أفضل الجهاد لأنّ المجاهد الّذي يكافِح۲ خصمَه منغمساً في حَرّ المِصاع يَترجّح بين الفوز بخير الدنيا و الآخرة و أن يَرتدّ سليماً و إن كان يجوز أن يُستشهَد، و الّذي يكادِح الأميرَ الجائرَ بكلمةِ حقٍّ تُغضِبه فإنّه إلى الإهلاك في الحال أو إضمار سوءٍ عظيمٍ عليه ـ وإن لم يَنَلْه في الوقت ـ أقرب ؛ فأمرُه صَعبٌ، و جِهادُه هائل، و خوفه فوقَ خوفِ القِران۳ ؛ لغلبة الأمير الجائر و قهره و سياسته. فأمّا قوله تعالى لموسى و هارون عليهماالسلام: «فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنا»۴ فإنّما أمَرَهما۵ بالكلام الليّن و الرفق و المساهلة لأنّ صاحبهما كان أعتى۶ مِن ذلك، و أيُّ أمير جائر يَدّعي الاُلوهيّة؟! فإذا كان كذلك فبطشُه أغلبُ، و هو إلى التنكيل۷ أقرب.

و قال وَهْبُ بن منبِّه: لمّا بَعَثَ اللّه‏ُ۸ موسى و هارونَ عليهماالسلام إلى فرعون قال: لا يروِّعكما۹ لباسُه الّذي يَلبَس۱۰ من الدنيا ؛ فإنّ ناصيته بيدي، لا ينطق۱۱ و لا يتنفّس إلاّ بإذني.۱۲

1.. «ب» : ـ من .

2.. كَفَحَه و كافَحَه : لقيه مواجهةً . و المكافحة : المضاربة و المدافعة تلقاء الوجه . و المكافحة في الحرب : المضاربة تلقاء الوجوه . انظر : لسان العرب ، ج ۲ ، ص ۵۷۳ كفح .

3.. «ألف» : «القرن» . و القِران بمعنى المقارنة .

4.. طه ۲۰ : ۴۴ .

5.. «ألف» : ـ أمرهما .

6.. «ألف» : أغنى .

7.. نَكَّلَ به تنكيلاً : إذا جعله نَكالاً و عبرةً لغيره . و يقال : نَكَّلتُ بفلان إذا عاقبته في جُرم أجرمه عقوبةً تنكِّل غيره عنارتكاب مثله . و أنكلت الرجُلَ عن حاجته إنكالاً : إذا دفعته عنها . لسان العرب ، ج ۱۱ ، ص ۶۷۷ نكل .

8.. في التواضع و الخمول : + تبارك و تعالى .

9.. في المصدرين : لا يرعكها.

10.. في المصدرين : لبس .

11.. في المصدرين : ليس ينطق و لا يطرف .

12.. التواضع و الخمول ، ص ۳۱ ، ح ۹ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج ۶۱ ، ص ۶۰ .

  • نام منبع :
    ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّالث
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: الإمام السید ضیاء الدین أبو الرضا فضل الله بن علیّ بن عبید الله الحسنی الراوندی؛ تحقیق: مهدي سليماني آشتياني
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1397
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 11047
صفحه از 465
پرینت  ارسال به