تذيقكم حلاوتَها و نعيمها ؛ لأدَّخر۱ ذلك كُلَّه لكم۲ في دارٍ أبقى من هذه، و عُمُرٍ لا منتهى له، و دوامٍ لا آخِرَ له، يقول تعالى: لم أدَّخِر حلاوةَ الدنيا عنكم لهوانكم عليّ ؛ بل ذلك لإعزازكم و إكرامكم حتّى لا تتلطّخوا بأوساخ الدنيا، و تَرغبوا في حطامها، و تفتتنوا بحلاوتها الزائلة عن قليل ؛ و قد ادّخرتُ لكم ما لا عينٌ رأت، و لا اُذن سمعت، و لا خطر على قلب بشر.
و معنى الكلام و اللّه أعلم: الأمر بالصبر، و التسلية عن الصبر.۳
و راويه: عبد اللّه بن مسعود رضىاللهعنه.
۸۷۷.قوله جَلَّ ذِكرُه: يا دُنيا، اخدُمي مَن خَدَمَني، وَ أَتعِبي بِإِذني۴ مَن خَدَمَكِ.۵
هذا الكلام في غير سبيل الكلام الّذي قبله ؛ كأنّه تعزية للفقراء الصالحين عن الدنيا و نعيمها و لذّاتها و شهواتها، و تطييبٌ لقلوبهم، يقول: يا عبادي، لا يَحزُنكم ما أنتم فيه مِن الفاقة و الحاجة ؛ فإنّي أمرتُ الدنيا أن تَخدِمكم و تَدُرَّ۶ عليكم بقدر حاجتكم، فهي ـ و إن زَوَيتُها عنكم ـ كالخادمة لكم، لا تَضَنُّ عليكم بمقدار ما أنتم إليه محتاجون، و ما سوى ذلك فأنتم عنه مستغنون، و ادّخرت لكم نعيم الأبد، فهو لكم على الرصد.
و فحوى الكلام و اللّه أعلم: إعلام الخلق أنّ مَن أطاعَ اللّه ـ عزّ و جلّ ـ ساقَ إليه رزقه /۵۱۵/ من غير أن يتحرّى۷ في طلبه و يتعنّى بسببه.
1.. «ألف» : لأذخر .
2.«ألف» : ـ لكم .
3.. «ألف» : الضرورة .
4.. في «ب» يُقرأ : «بانياي» ؛ و لكن في بعض المصادر : «يا دنيا» و لم نر «بإذني» في مصدر . انظر : مسند الشهاب ، ج ۲ ،ص ۳۲۶ ، ح ۱۴۵۴ ؛ تذكرة الموضوعات ، ص ۱۷۵ ؛ الفتوحات المكية ، ج ۴ ، ص ۵۳۵ .
5.. مسند الشهاب ، ج ۲ ، ص ۳۲۵ ، ح ۱۴۵۴ ؛ تاريخ بغداد ، ص ۴۴ ، ح ۴۱۰۰ ؛ تاريخ الإسلام للذهبي ، ج ۲۱ ، ص ۱۵۹ ؛ الموضوعات لابن الجوزي ، ج ۳ ، ص ۱۳۶ . كتاب من لا يحضره الفقيه ، ج ۴ ، ص ۳۶۳ ؛ مكارم الأخلاق للطبرسي، ص ۴۳۹؛ عدّة الداعي ، ص ۱۰۰ ؛ بحار الأنوار ، ج ۷۴ ، ص ۵۴ ، ح ۳ فيه عن مكارم الأخلاق .
6.. «ألف» : تذرّ .
7.. «ألف» : يتحر .
و تحرَّيتُ الشيءَ قصدته ، و تحرَّيت في الأمر : طَلبتُ أحرى الأمرين و هو أولاهما . المصباح المنير ، ج ۲ ، ص ۱۳۳ حري .