461
ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّاني

و يجوز أن يكون تلك المَعُونَةُ مِن اللّه‏ تعالى و التوفيق ؛ و ذلك لمكان أنّ السلطان العادل قد اختاره فيوفّقه اللّه‏ تعالى و يُعينه، و إذا طَلَبَ هو الشغلَ و سَأَلَ لنفسه الإمارةَ وُكل إليها و لم يُعَنْ، فإن أحسَنَ لم يُحمَد، و قيل: إنّه احتَجَنَ۱ أكثَرَ ممّا وَفَّرَ، و إنّما تَصَرَّفَ في مالنا ! و إن أساء عوقِبَ و غُرّم و وُجّهت الملامةُ إليه.

فإن قيل: أ ليس قد سأل يوسفُ عليه‏السلام الإمارةَ فقال: «اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ»۲؟! فالجواب: أنّه عليه‏السلام كان يَعلم ضرورةً أنّه منظور إليه بعين الملاحظة، مختصٌّ بالمراعاة و المحافظة، و أنّه قادر عليه مستطيع له مؤيَّدٌ۳ بالعصمة الإلهيّة، فلذلك طَلَبَ

الشغلَ، علما أنّه مضطلِعٌ۴ به قادر عليه، مطيق له، متصوّن عن /۳۹۱/ فضوله، موفِّر لمحصوله، مُقِرٌّ كلَّ درهم في قراره، صابٌّ له في مَصَبّه۵.

و روي عن أبي موسى الأشعريّ، قال: أقبلتُ إلى رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله أنا و رجلان مِن الأشعريّين ؛ أحدُهما عن يميني، و الآخَر عن شِمالي ؛ فسألا رسولَ اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله العملَ و هو يستاك، فقال: ما تقول يا عبد اللّه‏ بن قيس أو يا أبا موسى؟ قلت: و الّذي بعثك بالحقّ ما أطلعاني على ما في أنفسهما، و ما شَعَرتُ أنّهما يَطلُبان العَمَلَ، فكأنّي أنظر إلى سواكه۶ و هو تحت شَفَته۷، ثمّ قال: إنّا لا نَستعمل على عملنا مَن أراده ؛ و لكن اذهب أنت يا با موسى أو يا با عبد اللّه‏ بن قيس. فبعثه على اليمن، ثمّ أتبعه مُعاذا، و قال: لا تسأل الإمارة...۸الحديث.۹

1.. الاحتجان : جمعُ الشيء و ضمُّه إليك . لسان العرب ، ج ۱۳ ، ص ۱۰۸ حجن .

2.. يوسف ۱۲ : ۵۵ .

3.. «ألف» : مؤيّدا .

4.. اضطَلَع بالحِمل و الأمر : احتملَتْه أضلاعُه ، و اضطَلَعَ بحِمله : قَوِيَ عليه و نهض به ، فالاضطلاع من الضَّلاعة و هو القوّة . انظر : الصحاح ، ج ۳ ، ص ۱۲۵۱ ؛ النهاية في غريب الحديث و الأثر ، ج ۳ ، ص ۹۷ ؛ لسان العرب ، ج ۸ ، ص ۲۲۵ ضلع .

5.. «ألف» : مَصابّه .

6.. «ألف» : سؤاله .

7.. «ألف» : شفتيه .

8.. في المصادر: ثمّ أتبعه معاذ بن جبل، فلمّا قدم عليه قال له: «انزل» و ألقى له وسادةً .

9.. مسند أحمد ، ج ۴ ، ص ۴۰۹ ؛ صحيح البخاري ، ج ۸ ، ص ۵۰ ؛ صحيح مسلم ، ج ۶ ، ص ۶ ؛ سنن أبي داود ، ج ۲ ، ص ۳۲۸ ؛المعجم الكبير للطبراني ، ج ۲۰ ، ص ۴۲ .


ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّاني
460

بأجمعهم على أن يُعطوك حَبّةً مِن عندهم مِن غير أن يكون للّه‏ تعالى فيها مِلكٌ لما قَدَروا ؛ لأنّ الموجودات بأَجمَعِها له، فإن۱ أعطَوك فمِن ملكه، و إن منعوك و أراد أن يَصِلَ إليك وَصَلَ، و بالعكس لو أرادوا أن يُحْرِموك و أراد ـ عزّ و علا ـ أن يرزُقَك لما قدروا ؛ لأنّ له الخَلقَ و الأمرَ ؛ حَرَصَ الحريصُ على إعطائك، أو كَرِهَه الكارهُ.

و فائدة الحديث: الأمر بالتمسّك برضى اللّه‏ تعالى، و النهيُ عن إيثار أحد عليه، و عن الحمد لغير اللّه‏ فيما آتاك، و عن ذمّه على ما۲ لم يؤتك، إعلاما أنّ الرزق يوصِله الرزّاق ؛ أراد الخلقُ ذلك أو كرهوا، و هو المانع إن يُمنَع۳.

و راوي الحديث: عبد اللّه‏ بن مسعود رضى‏الله‏عنه.

۶۱۱.قوله صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: لاَ تَسأَلِ الإمَارَةَ ؛ فَإِنَّكَ إنْ اُعطِيتَها عَنْ غَيرِ مَسأَلَةٍ اُعِنْتَ عَلَيها، وَ إنْ اُعطيتَها عَنْ مَسأَلَةٍ وُكِلتَ إِلَيهَا.۴

يقال: أمَرَ الرجُلُ و أمُرَ ـ بالضمّ ـ أي صار أميرا و صارتْ فلانةُ أميرةً، و الإمرة و الإمارة مصدر.

يقول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ذلك لعبد اللّه‏ بن سَمُرَة، و معنى ذلك أنّه إذا وَلَّى الحاكمُ عاملاً مِن عند نفسه من غير مسألة و طلبٍ لشغلٍ۵، أعانه عليه الحاكم ؛ لأنّه هو الّذي اختاره و استعمله و اختصّه بالشغل، و اصطفاه بالعناية، و اجتباه للجِباية۶، فهو كالعِيال له و الّذي تَلزَمه تربيته۷.

1.. «ألف» : و إن .

2.. «ألف» : فيما .

3.. «ألف» : منع .

4.. مسند الشهاب ، ج ۲ ، ص ۹۱ ، ح ۹۴۸ ؛ مسند أحمد ، ج ۵ ، ص ۶۲ ؛ سنن الدارمي ، ج ۲ ، ص ۱۸۲ ؛ صحيح البخاري ، ج ۷ ،ص ۲۴۰ ؛ و ج ۸ ، ص ۱۰۶ ؛ صحيح مسلم ، ج ۵ ، ص ۸۶ ؛ سنن النسائي ، ج ۸ ، ص ۲۲۵ .

5.. «ألف» : للشغل .

6.. جِباية الخَراج : جمعُه و تحصيله . لسان العرب ، ج ۱۴ ، ص ۱۳۱ جبي .

7.. «ألف» : ترهبه . «ب» : ترببته .

  • نام منبع :
    ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّاني
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: الإمام السید ضیاء الدین أبو الرضا فضل الله بن علیّ بن عبید الله الحسنی الراوندی؛ تحقیق: مهدي سليماني آشتياني
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1397
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2439
صفحه از 488
پرینت  ارسال به