و قال غيره: عَذَرَ الرجُلُ إذا كثُرتْ عيوبُه، و كذلك أعذَرَ.۱
قلت: و يَرجع محصولُ هذين إلى ما قال أبو عبيد ؛ لأنّ عَذَرَه معناه جَعَلَه معذورا فهو يَعذِر المُعاقِب۲، و أعذَرَ إذا أقامَ عُذرا،۳ و المُذنِب يُقيم عذرَ المعاقِب۴.
و يَلوح لي فيه وجهٌ آخَرُ و هو أن يكون معناه: لن يَهلِكوا حتّى يَعذِروا أنفسَهم فيما يَرتكبون مِن الذنوب، فهم يُذْنِبون و يُقيمون لذنوبهم أعذارا ؛ دَأْبَ۵ المعلِّل الّذي يقيم لخيانته۶ عذرا، و يَظُنّ أنّ عذره المتقوَّل سيُنجيه۷ مِن غائلة الخيانة۸ ؛ و على هذا الوجه يكون «مِن» إمّا للتبعيض كأنّ المعنى /۳۷۲/ يَعذِرون بعضَ جنايات أنفسهم أي يَعذِرون مرتكبيها، و إمّا زيادةً، و التقدير: حتّى يَعذِروا أنفسَهم، و بئست الخَلّة الّتي لا عاذِرَ فيها إلاّ أنت، قال الشاعر:
فما حَسَنٌ أن يَعذِر المرؤُ نفسَه
و لَيس له مِن سائر الناس عاذِرُ۹
و إذا رَوَيتَ «يُعذِروا» فعلى هذا الوجه يكون المعنى: حتّى يقيموا أعذارا مِن قِبَلِ أنفسهم.
و فائدة الحديث: إعلام أنّه لا يَهلِك الناسُ حتّى يَستوجِبوا العذابَ۱۰، و يكونُ معذِّبُهم معذورا، و لا يَهلِكون حتّى يَعذِروا أنفسَهم، و يوجِّهوا لذنوبهم وجوها، و يخرِّجوا لها مَعاذيرَ و عِلَلاً.
1.. راجع : الصحاح ، ج ۲ ، ص ۷۴۰ ؛ لسان العرب ، ج ۴ ، ص ۵۴۷ عذر .
2.. «ألف» : التعاقب .
3.. و منه المثل العربي السائر : «قد أعذَر مَن أنذَر» و غالِب أهل عصرنا يلفظون «أعذَر» بالبناء للمجهول : أُعذر و هو خطأبلا ريب . (عبد الستّار) .
4.«ألف» : التعاقب .
5.. «ألف» : ذات .
6.. «ألف» : لجنايته .
7.. «ألف» : المنقول ينجيه .
8.. «ألف» : عايلة الجناية .
9.. نسب إلى بعض الشعراء في أدب الدنيا و الدين ، ص ۳۶۴ .
10.. «ألف» : + مركَّبا أي مسقفا كأنّه أذنب مرّتين .