المضطرّ فلا بأس أن يَسأل. و قيل: مَن طَلب۱ القوتَ ما تَعدّى،۲ و إذا انتهى ضُرّ الإنسان و جوعُه فإنّه يَحلّ له قدرُ ما يُمْسِك رَمَقَه من الميتة، فكذلك السؤال ينبغي أن يُقْدِم عليه الإنسانُ إذا عجز عن جميع الوجوه، و كاد الجوعُ يُتلِفه، فله حينئذٍ أن يَسأل ما يَسُدُّ جَوعَتَه ؛ فأمّا الّذي يُلِحّ و يُلحِف و يؤذي الناسَ، و غَرَضُه أن يَركُم بعضَه على بعض تكبّرا، فإنّ اللّه تعالى يسلِّط عليه فقر النفس، فلا يَشبع أبدا، و يموت و يَتركه لمن يَتمرّغ۳ فيه.
يقول صلىاللهعليهوآله: مَن فَتَحَ على نفسه باب مسألةٍ و انتجاعٍ۴ مِن غير حاجة فإنّه يَفتح على نفسه باب فقر. و هذا مِن أحسن الكلام و ألطَفِه، و يَتضمّن الأمرَ بالقناعة كما قال عليهالسلام: القناعة مالٌ لا يَنفَد.۵ و ما دام بابُ رحمة اللّه تعالى مفتوحا فليسَ للعبد أن يَسأل غيرَه. و قال:
اللّه يَغضِبُ إن تَركتَ سؤالَه
و بُنَيُّ آدمَ حين يُسأل يَغضِب۶
و قال النبيّ صلىاللهعليهوآله: إذا سألتَ فاسأَلِ اللّه.۷
و قال الشاعر۸:
تُكلِّفني إذلالَ نفسي لعزّها
و هانَ عليها أن اُهانَ لِتُكْرَما
تقول سَلِ المعروف يحيى بنَ أكثَمٍ
فقلتُ سَليه رَبَّ۹ يحيى بنِ أكثما۱۰
1.. في المصدر : «طالب» بدل «من طلب» .
2.. من الأمثال السائرة . راجع : كشف الخفاء ، ج ۲ ، ص ۳۷ ، الرقم ۱۶۴۹ .
3.. التمرُّغ : التقلُّب في التراب . لسان العرب ، ج ۸ ، ص ۴۵۰ مرغ .
4.. انتَجعنا فلانا : أتيناه نَطلب معروفه . لسان العرب ، ج ۸ ، ص ۳۴۷ نجع .
5.. نهج البلاغة ، الحكمة ۵۷ و ۳۴۹ و ۴۷۵ .
6.. من ذكره لم يسمّ باسم الشاعر ، إلاّ أنّ القرطبي نقله عن بعض الشعراء تارة ، و عن بعض العلماء اُخرى . راجع : تفسيرالثعلبي ، ج ۱ ، ص ۱۰۰ ؛ تفسير القرطبي ، ج ۱ ، ص ۱۰۶ ، ذيل الآية من سورة الفاتحة ۱ ؛ و ج ۵ ، ص ۱۶۴ ، ذيل الآية من سورة النساء (۴) ؛ المستطرف ، ص ۳۰۳ .
7.. مسند أحمد ، ج ۱ ، ص ۳۰۳ ؛ سنن الترمذي ، ج ۴ ، ص ۷۶ ، ح ۲۶۳۵ ؛ الفقيه ، ج ۴ ، ص ۴۱۳ ، ح ۵۹۰۰ .
8.. هو عبد الصمد بن أبي مروة بن المعدِّل العبديُّ البصريُّ الشاعر المشهور .
9.. في المصادر : «سلي المفضال» بدل «سليه ربّ» .
10.. عيون الأخبار لابن قتيبة ، ج ۳ ، ص ۲۰۹ ؛ وفيات الأعيان ، ج ۶ ، ص ۱۶۳ .