297
ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّاني

فلتَبْكِه البواكي.

و فائدة الحديث: التحذير من الدنيا الغدّارة، و الأمرُ بالطاعة فيها و التشمير قبل قدوم الفناء و الرحلة إلى دار البقاء.

و راوي الحديث: ابنُ عائشة، عن أبيه، في خطبة للنبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله.

۴۸۱.قوله صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: كُونُوا في الدُّنيا أَضيافاً، وَ اتَّخِذوا المَساجِدَ بُيُوتاً، وَ عَوِّدُوا قُلُوبُكُمُ الرِّقَّةَ، وَ أَكثِرُوا التَّفَكُّرَ وَ البُكاءَ، لا تَختَلِفَنَّ بِكُمُ الأَهواءُ.۱

هذا الحديث كالّذي قبله في الوعظ، يقول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ‏وسلم: كونوا في الدنيا كالأضياف ؛ فإنّ الضيف يَأكل في دار المُضيفِ أكلَهُ۲، ثمّ يَحْمِل ثِقلَه، و لا يُقيم في دار الضيافة إلاّ رَيْثَما۳ يَأكل ما يقدَّم إليه، ثمّ يَخرُج.

يقول عليه‏السلام: أنتم في ضيافة اللّه‏ تعالى في هذه الدعوة الفانية، فكُلوا منها ما قُدِّم إليكم فيها، و اشتَغِلوا بما نُدِبتم إليه، و لا تَتوسّعوا ؛ فإنّ الضيف لا يَتوسَّع في دار من يُضيفه.۴

«و اتّخِذوا المساجدَ بيوتا» ؛ أي تَفَرَّغوا مِن هموم الدنيا، و أقبِلوا على العبادة في المساجد. و إنّما خَصَّ المساجدَ لأنّ العبادة فيها أفضل، و حليف المسجد إلى الخير أقرب، و في الطاعة أرغب، و مِن اللّه‏ تعالى أرهب.

/۲۹۹/ ثمّ قال عليه‏السلام: «و عَوِّدوا قلوبَكم الرِّقَّةَ» أي لا تَتَقاسوا۵ و لا تتجاسَوا۶ ؛ بل

1.. مسند الشهاب ، ج ۱ ، ص ۴۲۶ ، ح ۷۳۱ ؛ الجامع الصغير ، ج ۲ ، ص ۲۹۸ ، ح ۶۴۳۳ ؛ كشف الخفاء ، ج ۲ ، ص ۱۳۵ ،ح ۲۰۲۳ . كنز الفوائد ، ص ۱۶۰ ؛ أعلام الدين ، ص ۱۴۶ و ۳۶۵ ؛ بحار الأنوار ، ج ۷۰ ، ص ۸۱ ، ح ۴۳ . و في جميع المصادر : «لا تختلفن» .

2.. «ألف» : أكْلَةً .

3.ريثما : قدر ما . انظر : لسان العرب ، ج ۲ ، ص ۱۵۸ ريث .

4.. «ألف» : لا يوسّع في دار مُضيفه .

5.«ألف» : لا تناسوا .

6.. جَسى : ضِدُّ لَطَفَ ، و جَسى الرجُلُ جَسْوا و جُسُوّا : صَلُبَ . و جَسَأَ الشيءُ أيضا : صَلُبَ و خَشُنَ ، و جُسِئَت الأرضُ من الجَسْ‏ء : و هو جلد الخشن الّذي يشبه الحصا الصغار . انظر : لسان العرب ، ج ۱ ، ص ۴۸ جسأ ؛ و ج ۱۴ ، ص ۱۴۱ (جسو) .


ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّاني
296

ثمّ قال عليه‏السلام: «و ليأخذ من الشبيبة قبل الكبر» ؛ لأنّ الكبير لا يقدر على ما يريده من الطاعات، و ماذا يُغني عنه تمنّيه و إرادته؟! /۲۹۸/فاللّه‏َ اللّه‏َ أيّها الأخ الصالح، اجهَدْ نفْسَك و أنت بَعدُ في لباس الشبيبة تَترفَّل۱، و بظِلّها تتظلّل، يَهون عليك حَرُّ الحركات و بَرْدُ السكنات۲، و قُواك تُساعدك على مَغزاك۳، فاغتنِمْ طاعةَ اللّه‏ تعالى في ليلِ شبابِك قبل أن يَهجُم عليك المَشيبُ بصُبحِه فيَصُدَّك عن مآربك، و يَرُدَّك عن مطالبِك، فلا تستطيع إلاّ بغيرك، و لا تَقْدِرُ على ما تريد مِن خيرك.

ثمّ قال عليه‏السلام: «و من الحياة قبل الممات»، و هذا أعمُّ من الجميع ؛ لأنّ العبد ما دام يَتردّد في مَخارقه۴ الروحُ، فبيده الفُتوحُ، يَقدِر على رضى اللّه‏ تعالى قولاً و عملاً ؛ فأمّا إذا خلا قالبُه من الروح فهو جمادٌ تُقَلِّبه۵ الأيدي، لا يقدر /۳۲۰/ على خير و لا شرّ، فمِن المتعيّن عليه أن يُبادِر مماتَه، و يحصِّل نجاتَه ؛ فإنّه لا يَدري متى يَهجُم عليه الموتُ، و متى يَحينُ له الفوتُ.

و قال عليه‏السلام: «فما بَعْدَ الدنيا من دار» ؛ يعني أنّه إن۶ لم يَرحَلْ مِن الدنيا بزادٍ يبلِّغه المنزلَ، انقُطِع به حيث لا يُمْكنه الاستعاضة ؛ لأنّه لا دار بعد الموت يُكتَسَب فيها صالحٌ، و مَن مات فقد قامَتْ قيامتُه۷ يَرى ما له مِن خير و شرّ ؛ فإن كان مُصلِحا فطوبى له، و إن كان مُفسِدا

1.. الرَّفْل : جَرُّ الذيل ، و ركضه بالرِّجل ، امرأة رافلة أي : تترفّل في مشيها ؛ أي تجرّ ذيلها إذا مشت و ماست في ذلك ، و امرأة رفلاء أي : لا تحسن المشي في الثياب . انظر : كتاب العين ، ج ۸ ، ص ۲۶۳ ؛ الصحاح ، ج ۴ ، ص ۱۷۱۱ رفل .

2.. «ب» : السكون .

3.. «ألف» : مغراك .
غَزى الشيءَ : أراده و طلبه ، و المغزى : المقصد . انظر : لسان العرب ، ج ۱۵ ، ص ۱۲۳ غزو .

4.. المَخارق : المَلاصّ ، يتخرّقون الأرض بينا هم بأرض إذا هم باُخرى ، و المَخارق : الرجال الذين يتخرّقون و يتصرّفون في وجوه الخير ، و خرقتَ الثوب إذا شفقته . انظر : لسان العرب ، ج ۱۰ ، ص ۷۳ خرق .

5.. «ألف» : تقبّله .

6.. «ب» : ـ إن .

7.. جامع البيان ، ج ۲۹ ، ص ۲۱۷ ؛ تفسير الثعلبي ، ج ۱۰ ، ص ۸۲ ؛ تفسير السمعاني ، ج ۶ ، ص ۱۰۱ ؛ تفسير البغوي ، ج ۴ ، ص ۴۲۱ ؛ الكشاف ، ج ۲ ، ص ۱۶ ؛ المحرَّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ، ج ۵ ، ص ۴۰۱ ؛ تفسير الرازي ، ج ۱ ، ص ۲۴۱ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج ۳۷ ، ص ۲۱۵ . بحار الأنوار ، ج ۵۸ ، ص ۷ ؛ و ج ۷۰ ، ص ۶۷ مع اختلاف يسير في بعضها .

  • نام منبع :
    ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّاني
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: الإمام السید ضیاء الدین أبو الرضا فضل الله بن علیّ بن عبید الله الحسنی الراوندی؛ تحقیق: مهدي سليماني آشتياني
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1397
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2135
صفحه از 488
پرینت  ارسال به