اللَّذةُ بالمطاعم و المشارب و المناكح؟! أو يتركه الفراغ أن تميل نفسُه إلى شيء من ذلك، و تَتجاذَبَ أهدابَها۱؟! كلاّ و اللّهِ لو كانت لنا نفوسٌ مراعية و آذان واعية و أبصار رائية ؛ و لكن عَمَى القلوب سَتَرَ۲ علينا هذه الأحوال، و غَمَرَنا في طلب الحُطام، فنحن عليه متهالكون، و للصواب تاركون، و حُبُّ الدنيا أصمّنا عن سماع الموعظة، فمِنْ شَغب۳ الدنيا و جِبْلتِها۴ الّتي مكّنّاها من أنفسنا، و أشعَفْنا بها قلوبَنا، صَمَّتْ آذانُ أحلامنا عن نداء الآخرة على دار السلامة و عرْضِها فيمن يزيد، و مَن صَدف نفسَه عن الدنيا، و قلع عروق قلبه عنها، و رغب عن شرابِ جَشَعِها الّذي يَسقيه ساعةً فساعةً، لم يَكترث بما يصيبه فيها ؛ علما بأنّها ظلٌّ آفِل، و فَيء زائل۵، و سِناد مائل ؛ كما قال أمير المؤمنين عليهالسلام متمثّلاً:
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حَيّا
و لكن لا حياةَ لمن تُنادي۶
و فائدة الحديث: الدعاء إلى هذه المكارم المطرّفة لابن آدم إلى النعيم الذي لا يفنى.
و راوي الحديث: أمير المؤمنين عليهالسلام.
۲۶۰.قوله صلىاللهعليهوآله: مَنْ مَاتَ غَريباً مَاتَ شَهيداً.۷
مضى تفسير هذا الحديث في قوله عليهالسلام: موت الغريب شهادة.۸ و يجوز أن يراد بالغربة آخر
1.. الأهداب و الهُدّاب جمع هَدَب : أغصان شجرة الأرطى و نحوه ممّا لاورق له ، واحدة هَدَب هَدَبَة . انظر : لسان العرب ، ج ۱ ، ص ۷۸۱ هدب .
2.. «ألف» : عمى القلب يستر .
3.. الشَغْب و الشَّغَب و التشغيب : تهييج الشرّ . لسان العرب ، ج ۱ ، ص ۵۰۴ شغب .
4.. «ألف» : حليتها .
جِبْلة الشيء : طبيعته و أصلُه و ما بُني عليه . لسان العرب ، ج ۱۱ ، ۹۸ جبل .
5.. «ألف» : ـ و فيء زائل .
6.. راجع : الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ التاريخ ، ص ۷۹ ؛ المختصر في علم التاريخ ، ص ۸۷ .
7.. مسند الشهاب ، ج ۱ ، ص ۲۲۷ ، ح ۳۴۹ ؛ تذكرة الموضوعات ، ص ۲۱۶ ؛ كنز العمّال ، ج ۱۰ ، ص ۲۴۶ ، ح ۲۹۳۱۳ ؛ العهودالمحمّديّة ، ص ۵۱۸ . شرح اللمعة للشهيد الثاني ، ج ۱ ، ص ۴۱۲ .
8.. قد مرّ تخريجه سابقا .