169
ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّاني

فيه إلاَّ غَيظا، اشترى غلاما صغيرا فربّاه و أحسَنَ إليه، فَلَمّا شَبَّ الغلامُ، و اشتَدَّتْ قُوَّتُه، و قوِي عَصَبُه، قال له مولاه: يا بنيَّ، إنِّي اُريدك لأمرٍ مِن الاُمور جَسيمٍ، فليتَ شِعري كيف لي أنتَ عند ذلك؟ قال: كيف يكون العبدُ لمولاه و المنعِمِ عليه المحسِنِ إليه؟! واللّه‏ِ يا مولايَ، لو عَلمتُ أنَّ رضاك في أن أتقحَّمَ النارَ لرَمَيتُ بنفْسي فيها، و لو علمتُ أنَّ رِضاك في أن اُغرِّق نفسي في لُجَّةِ البحر لفَعلتُ ذلك!

و عَدَّد عليه أشياءَ، فَسُرَّ بذلك مِن قوله، و ضَمَّه إلى صدره، و أكَبَّ عليه يَتَرَشَّفُه۱، و يقبِّله، و قال: أرجو أن تَكون ممَّن يَصلُحُ لما اُريد. قال: يا مولاي، إن رأيتَ أن تمُنَّ على عبدك فتُخبِرَه بعزمك هذا ليَعرِفه و يَضُمَّ عليه جوانحَه. قال: لم يَأنِ لذلك بعدُ، وإذا كان ذلك فأنت موضعُ سِرِّي و مُستودَعُ أمانتي. فتَرَكَه سَنةً و دَعاه فقال: أي بُنيَّ، قد أردتُك للأمر الّذي كنتُ أرشحك له۲. قال: يا مولاي، مُرني بما شئتَ ؛ فو اللّه‏ِ لا تَزيدُني الأيّامُ إلاَّ طاعةً لك. قال: إنَّ جاري فلانا قد بَلَغَ مِنّي مَبلَغا اُحِبُّ قتلَه. قال: فأنا أفتُك به الساعةَ! قال: لا اُريد هذا، /۲۳۵/ و أخاف أن لا يُمْكِنَكَ، و إن أمكنَك أحالوا ذلك عَلَيَّ ؛ و لكنّي دَبَّرتُ أن تَقتُلَني أنتَ وتَطرَحَني على سَطْحِهِ، فيُؤخَذَ فيُقتَلَ بي! فقال له الغلام: أ تَطيبُ نفْسُك بنفْسِك؟! و ما في ذلك تَشَفٍّ مِن عدوِّك! و أيضا فهل تَطيبُ نفسي بقتلك و أنتَ أبَرُّ مِن الوالد الحَدِبِ۳ و الاُمِّ الرفيقة؟! قال: دَعْ عنك هذا ؛ فإنّما كنتُ اُرَبِّيك لهذا، فلا تَنْقُضْ عَلَيَّ أمري ؛ فإنّه لا راحةَ لي إلاَّ في هذا! قال: اللّه‏َ اللّه‏َ في نفْسِك يا مولاي، و أن تُتْلِفَها للأمر الَّذي لا تَدري أ يكون أم لا يَكون؟! فإن كان لَم تَرَمِنه ما أمَّلتَ و أنت ميِّتٌ؟!

1.. «ب» : «بترشُّفه» خلافا للمصادر .
و ترشَّفَه : مَصَّه ، و الرَّشْف : المَصّ . انظر : لسان العرب ، ج ۹ ، ص ۱۱۹ رشف .

2.. رَشَحَتِ الناقةُ ولدَها و رشَّحتْه و أرشحته : و هو أن تحك أصل ذنبه و تدفعه برأسها و تقدِّمه و تقف عليه حتّى يُلحقها و يزجِّيه أحيانا ؛ أي تُقدِّمه و تتبعه ، و هي راشِح و مُرشِح و مرشِّح ، كلّ ذلك على النَّسَب . و رَشَّحَت الاُمُّ ولدَها باللبل القليل إذا جَعَلَته في فيه شيئا بعد شيء حتّى يقوى على المصّ ، و هو الرشيح ، و رُشِّح للأمر : رُبِّي له و اُهِّل . انظر : لسان العرب ، ج ۲ ، ص ۴۴۹ ـ ۴۵۰ رشح .

3.. حَدِبَ فلانٌ على فلانٍ فهو حَدِبٌ : تَعَطَّفَ و حنا عليه . لسان العرب ، ج ۱ ، ص ۳۰۱ حدب .


ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّاني
168

الجسد.۱ و قال الشاعر:

اِصبِر على حسد الحسود

فإنّ صبرك قاتِلُه

يَكفيك منه بأنّه

حيٌّ تموت مفاصِلُه۲

كالنار۳ تأكل نفسَهاإن لم تَجِدْ ما تأكله۴

و «كاد» يعطي أنّه قَرُبَ الفعلُ و لم يكن، و يفيد في الحديث شدّةَ تأثير الفقر و الحسد و إن لم يكونا يَغلبانِ القَدَر، و يقال: إنَّ كاد إذا اُوجِب۵ به الفعل دلّ على الامتناع و النفي۶، و إذا نُفِيَ دلّ على الوقوع، و قال شاعرهم:

أ نَحْوِيَّ هذا الدهرِ ما هي لفظةٌ

أتَتْ بلسانَيْ جُرهُمٍ و ثَمود

إذا نُفِيَتْ و اللّه‏ُ أعلَمُ أوجَبَتْ

و إن اُوجِبتْ قامَتْ مقامَ جُحود

و هذا۷ كما قال: «كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا»۸، و المعنى أنّهم لم يكونوا.

و قال تعالى: «وَ مَا كَادُوا يَفْعَلُونَ»۹ و قد ذَبَحوا.

و هذه مِن أعجَبِ القَصَص في الحسد، و هي من أعاجيب الدنيا ؛ كان أيّامَ موسى الهادي ببغدادَ رجُلٌ مِن أهل النعمةِ، و كان له جارٌ في دونِ حاله، و كان يَحسُده و يَسعى عليه بمكروهٍ يُمكِنُه، و لا يَقدِر عليه. قال: فلمّا طالَ عليه أمرُه، و جَعَلَتِ الأيّامُ لا تَزيده

1.. راجع : أساس البلاغة للزمخشري ، ص ۱۷۳ .

2.. «ب» : ـ يكفيك . . . مفاصله .

3.. «ب» : النار .

4.. هذا منسوب إلى فتى ، انظر : العقد الفريد ، ج ۲ ، ص ۱۷۴ ؛ المستطرف في كلّ فن مستظرف ، ص ۲۲۲ .

5.. «ألف» : وجب .

6.. «ب» : ـ و النفي .

7.. «ألف» : هو .

8.. الجنّ ۷۲ : ۱۹ .

9.. البقرة ۲ : ۷۱ .

  • نام منبع :
    ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّاني
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: الإمام السید ضیاء الدین أبو الرضا فضل الله بن علیّ بن عبید الله الحسنی الراوندی؛ تحقیق: مهدي سليماني آشتياني
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1397
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2535
صفحه از 488
پرینت  ارسال به