و سمعتُ مَن يفسّره على معنى قوله: البادئ أظلم.۱ يعني: مَن بَدأ بالشرّ فهو الجافي، و يكون۲ على تخفيف الهمز.
و قوله عليهالسلام: «و من اتّبع الصيد غفل» معناه و اللّه أعلم: أنّ الّذي يَتَّبع الصيد، و ينقطع إليه بنفسه و رأيه، يصدّه عن العبادات الواجبة عليه، و أيضا: فإنّ ذلك أيضا في البوادي، و حينئذٍ يَلزم الصائدَ ما يلزم البادي ممّا۳ تقدّم ذكره، و لا شكّ أنّ للصيد۴ ضَراوةً۵ و حرصا و شهوةً تَصُدُّ عن جميع المهمّات، و تَصدف عن العبادات، و يجوز أن يكون الصيد كنايةً عن طلب الدنيا.
فيقول صلىاللهعليهوآله: مَن اتَّبَعَ الصيدَ ـ أي الدنيا ـ غفل ؛ أي: مَن حَبَسَ نفْسَه على الحُطام، و جَعَلَه من أهمّ الاُمور، فكأنّه يَصيد۶ صيدا، و اللّه أعلم.
و قوله عليهالسلام: «مَن قرب من أبواب السلاطين افتَتن» أي: مَن خالط أصحاب الأمر و النهي من هؤلاء المتغلّبين على الدنيا وقع في الفتنة، يقال: فَتَنتُه فافتَتَن، و كيف لا يُفتَن مَن خالطهم و عرفهم؟ فإنّه يَرى المنكَرَ فلا يمكنه النهي عنه، و يريد أن يَأمر بالمعروف فلا يتجاسر أن يفعل، و يكلّفونه المآثم، فإن ائتَمَرهم و أطاعهم هلك دينُه، و إن امتَنَع عنهم هلكتْ نفسُه، و ربّما أركبوه الخُطَّةَ۷ الشَّنعاء و الفَعْلَة العَوراء۸ في بعض مآربهم و حاجاتهم غير مفكّرين في دِين المسكين و دنياه، و أنّ الّذي لا يَنظر لدِين نفسه كيف ينظر لدين
1.. راجع : تفسير الرازي ، ج ۱۵ ، ص ۲۳۵ .
2.. «ألف» : ـ و يكون .
3.. «ألف» : بما .
4.. «ألف» : الصيد .
5.. الضَّراوة : العادة . لسان العرب ، ج ۱۴ ، ص ۴۸۲ ضرو .
6.. «ب» : تكليف .
7.. الخُطَّة : الطريقة ، و الحال ، و الأمر ، و الخَطب . انظر : لسان العرب ، ج ۷ ، ص ۲۸۸ خطط .
8.. العَوراء : الكلمة القبيحة أو الفَعلة القبيحة ؛ لأنَّ الكلمة أو الفعلة كأنّها تَعور العين فيمنعها ذلك من الطُّموح و حدَّة النظر . لسان العرب ، ج ۴ ، ص ۶۱۵ عور .