59
ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّاني

و اللّه‏ُ تعالى أعلم بعباده، فلو علم أنّه ينبغي أن يَكتب عليهم أكثر ممّا كتب لَفَعل، و يَدخل تحت ذلك عَزْفُ النفس عن أكل الأطعمة اللذيذة و لُبس الثياب الليِّنة، و كلّ ذلك جائز حسن ؛ قال تعالى: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّه‏ِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَ الطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ»۱؟ فاعلم۲ أنّ جميع ذلك مخلوق لبني آدم لينتفعوا به و يتلذّذوا و يَقوَوا على العبادة ؛ هذا ما لم يَتَراقَ إلى حدّ الإسراف، و لم يقع في۳ درجة الإتلاف.

و روي عن الصادق عليه‏السلام أنّه سأله بعض أصحابه عن قوله تعالى: «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ»۴ فقال: ماذا يقولون فيه؟ قال: إنّهم يفسّرونه بالماء البارد. فقال عليه‏السلام: لا ؛ إنّ الكريم لا يحاسِب على الطعام و الشراب، بل النعيم ولاية عليّ بن أبي طالب عليه‏السلام.۵ أو كما قال [عليه‏السلام].

و روى أبو هريرة عنه صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: أنّه قال: إنّ أحَبَّ الأعمال إلى اللّه‏ ـ عزّ و جلّ ـ أدوَمُها و إن قَلَّ، فعليكم من الأعمال بما تُطيقون ؛ فإنّ اللّه‏ لا يَمَلُّ حتّى تَمَلّوا.۶

و معنى الملال المنسوب إلى اللّه‏ تعالى: قطع مادّة الإحسان، و إنّما ذكره بلفظ الملال لمقابلة اللفظين و مراعاة الازدواج۷، كما قال: «وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللّه‏ُ»۸، و قوله تعالى: «إِنَّمَا نَحْنُ۹ مُسْتَهْزِئُونَ * اللّه‏ُ يَسْتَهْزِءُ بِهِمْ»۱۰، «وَ مَكَرُوا مَكْرا وَ مَكَرْنَا مَكْرا»۱۱، و المعنى:

1.. الأعراف ۷ : ۳۲ .

2.«ألف» : فما علم .

3.. «ألف» : إلى .

4.. التكاثر ۱۰۲ : ۸ .

5.. روضة الواعظين ، ص ۴۹۳ ؛ المناقب لابن شهر آشوب ، ج ۲ ، ص ۴ ؛ بحار الأنوار ، ج ۷۳ ، ص ۷۰ .

6.. مسند أحمد ، ج ۶ ، ص ۶۱ ؛ و ج ۶ ، ص ۲۶۸ ؛ صحيح البخاري ، ج ۷ ، ص ۱۸۲ ؛ صحيح مسلم ، ج ۲ ، ص ۱۸۹ ؛ مسند ابنالمبارك ، ص ۴۰ ، ح ۸۱ .

7.. و هو ما يُعرَف بـ «المُشاكلة» عند علماء البلاغة .

8.. الأنفال ۸ : ۳۰ .

9.. «ألف» : ـ «انما نحن» .

10.. البقرة ۲ : ۱۴ و ۱۵ .

11.. النمل ۲۷ : ۵۰ .


ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّاني
58

يقول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: من يغالب هذا /۲۰۴/ الدين بالتشديد على نفسه و المبالغة في العبادات الشرعيّة، و أراد أن يزيد عليه و يأتي بأكثر من المشروع المأمور به، أصبح مغلوبا حسيرا، و انثنى مقهورا بَهيرا۱ ؛ لأنّ المقصود في الطاعة الإخلاص لا الكثرة و المبالغة و المشادّة، مثلاً أن يُحيِيَ لياليَه، أو يَختم كلّ يوم، أو يصوم الدهر، أو يحجّ ماشيا، أو ينسلخ من ماله إلى الفقراء۲ و المستحقّين، و هو لعمري حَسَنٌ بليغ، إلاّ أنّه ربّما لا يستطيع المداومة عليه، فيَحسِر۳ و يُعيي۴ و يَكِلُّ و يُقوي۵ و يَحتاج إلى مسألة الناس، فلو داوم على المأمور به من الفرض و النفل، و لم يتكلّف ما لم يوجبه اللّه‏ تعالى عليه، و لم يبالغ، لبقي سديدا قويّا شديدا۶ مليّا قادرا غنيّا.

و قال النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: إنّ هذا الدين متين، فأوغِلْ فيه۷ برفق، و لا تُبغِضْ۸ طاعةَ اللّه‏ إلى نفسك ؛ فإنّ المُنْبَتَّ۹ لا أرضا قَطَعَ و لا ظهرا أبقى.۱۰

و في حديث آخر: عليكم هَدْيا قاصدا ـ ثلاث مرّات ـ ؛ فإنّ مَن يُشادِّ هذا الدينَ يغلبه.۱۱

1.. «ألف» : أسيرا .
و بهيرا أي مقهورا و مغلوبا . انظر : لسان العرب ، ج ۴ ، ص ۸۱ بهر .

2.. «ألف» : من مال الفقراء .

3.. حَسَرَ : أعيى و كَلَّ . انظر : لسان العرب ، ج ۴ ، ص ۱۸۸ حسر .

4.. «ألف» : يعني .

5.أقوى : افتَقَر . انظر : لسان العرب ، ج ۱۵ ، ص ۲۱۰ قوي .

6.. «ألف» : شديدا قويّا سديدا .

7.. الإيغال : السير السريع ، و الإمعان في السير ، و أوغَلَ القومُ و تَوَغَّلوا : إذا أمعنوا في السيرة . و قال الطريحي : في الحديث : إنّ هذا الدين متين فأوغِلوا فيه برفق ؛ أي ادخلوا فيه برفق ، و لا تكلِّفوا أنفسكم ما لا تطيقونه فتعجزوا و تتركوا الدين و العمل ، يقال : أوغَلَ القومُ إذا أمعَنوا في سيرهم . انظر : لسان العرب ، ج ۱۱ ، ص ۷۳۳ ؛ مجمع البحرين ، ج ۵ ، ص ۴۹۳ وغل .

8.. «ألف» : لا تنغص .

9.. المُنبَتّ في الحديث : الّذي أتعب دابَّتَه حتّى عطب ظَهرَه ، فبقي منقطعا به . لسان العرب ، ج ۲ ، ص ۷ بتت .

10.. الكافي ، ج ۲ ، ص ۸۶ ، ح ۲ ؛ و ص ۸۷ ، ح ۶ ؛ المجازات النبويّة ، ص ۲۶۰ ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج ۳ ، ص ۱۸ ؛ فتحالباري ، ج ۱۱ ، ص ۲۵۴ مع اختلاف يسير بين المصادر .

11.. المجازات النبويّة ، ص ۲۶۱ ، ح ۲۰۵ ؛ مسند أحمد ، ج ۴ ، ص ۴۲۲ ؛ و ج ۵ ، ص ۳۵۰ ؛ المستدرك للحاكم ، ج ۱ ،ص ۳۱۲ ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج ۳ ، ص ۱۸ .

  • نام منبع :
    ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّاني
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: الإمام السید ضیاء الدین أبو الرضا فضل الله بن علیّ بن عبید الله الحسنی الراوندی؛ تحقیق: مهدي سليماني آشتياني
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1397
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2594
صفحه از 488
پرینت  ارسال به