17
ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّاني

و سمعتُ مَن يفسّره على معنى قوله: البادئ أظلم.۱ يعني: مَن بَدأ بالشرّ فهو الجافي، و يكون۲ على تخفيف الهمز.

و قوله عليه‏السلام: «و من اتّبع الصيد غفل» معناه و اللّه‏ أعلم: أنّ الّذي يَتَّبع الصيد، و ينقطع إليه بنفسه و رأيه، يصدّه عن العبادات الواجبة عليه، و أيضا: فإنّ ذلك أيضا في البوادي، و حينئذٍ يَلزم الصائدَ ما يلزم البادي ممّا۳ تقدّم ذكره، و لا شكّ أنّ للصيد۴ ضَراوةً۵ و حرصا و شهوةً تَصُدُّ عن جميع المهمّات، و تَصدف عن العبادات، و يجوز أن يكون الصيد كنايةً عن طلب الدنيا.

فيقول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: مَن اتَّبَعَ الصيدَ ـ أي الدنيا ـ غفل ؛ أي: مَن حَبَسَ نفْسَه على الحُطام، و جَعَلَه من أهمّ الاُمور، فكأنّه يَصيد۶ صيدا، و اللّه‏ أعلم.

و قوله عليه‏السلام: «مَن قرب من أبواب السلاطين افتَتن» أي: مَن خالط أصحاب الأمر و النهي من هؤلاء المتغلّبين على الدنيا وقع في الفتنة، يقال: فَتَنتُه فافتَتَن، و كيف لا يُفتَن مَن خالطهم و عرفهم؟ فإنّه يَرى المنكَرَ فلا يمكنه النهي عنه، و يريد أن يَأمر بالمعروف فلا يتجاسر أن يفعل، و يكلّفونه المآثم، فإن ائتَمَرهم و أطاعهم هلك دينُه، و إن امتَنَع عنهم هلكتْ نفسُه، و ربّما أركبوه الخُطَّةَ۷ الشَّنعاء و الفَعْلَة العَوراء۸ في بعض مآربهم و حاجاتهم غير مفكّرين في دِين المسكين و دنياه، و أنّ الّذي لا يَنظر لدِين نفسه كيف ينظر لدين

1.. راجع : تفسير الرازي ، ج ۱۵ ، ص ۲۳۵ .

2.. «ألف» : ـ و يكون .

3.. «ألف» : بما .

4.. «ألف» : الصيد .

5.. الضَّراوة : العادة . لسان العرب ، ج ۱۴ ، ص ۴۸۲ ضرو .

6.. «ب» : تكليف .

7.. الخُطَّة : الطريقة ، و الحال ، و الأمر ، و الخَطب . انظر : لسان العرب ، ج ۷ ، ص ۲۸۸ خطط .

8.. العَوراء : الكلمة القبيحة أو الفَعلة القبيحة ؛ لأنَّ الكلمة أو الفعلة كأنّها تَعور العين فيمنعها ذلك من الطُّموح و حدَّة النظر . لسان العرب ، ج ۴ ، ص ۶۱۵ عور .


ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّاني
16

ربّما يَردع من الاُمور المنكرة، و مهما لم يَفعل لم يُكتب عليه، سواء كان ذلك للّه‏ تعالى أو لخلقه. ثمّ البَداوة۱ قد تَحْمِل الإنسانَ على القَسوَة و الفظاظة و الشره و النَّكارة ؛ لمكان أنّ مَن يوجد في البراري و الصحاري أقرب إلى أن يُطمَع۲ فيه، فهو مدفوع إلى أن يَرُدَّ عن نفسه، فحينئذٍ يجفو طبعه، و يَغلُظ قلبه، و لم يَكترث بالمناهي، و ربّما لا يعلمها، و لا يَتحقّق الحلالَ و الحرام، و لذلك قال إبراهيم النخعيّ: تَفَقَّهْ ثمّ اعتزل.۳ و لا يبعد أن يكون هذا خاصّا في زمان النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله و وجوب الهجرة إلى المدينة، فقال: و مَن بدا و لم يهاجر كان جافيا، فأمّا في زماننا هذا فالفرار من هؤلاء الّذين نراهم واجب، و البعد منهم لازب۴، و فقدانهم راحة.

و قد روى أبو سعيد الخُدريّ: أنّ رجلاً قال: يا رسول اللّه‏، أيُّ الناس أفضل؟ قال: مؤمن مجاهد بنفسه و ماله في سبيل اللّه‏. قال: ثمّ من؟ قال: رجُل معتزل في شِعبٍ من الشِّعاب يَعبد ربَّه، و يَدَعُ الناسَ مِن شرّه.۵

و عن عبد اللّه‏ بن مسعود، عن النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: ليأتينّ على الناس زمان لا يَسلم لِذي دِينٍ دِينُه إلاّ مَن فرّ بدينه مِن قرية إلى قرية، و من شاهق إلى شاهق، و من جُحر إلى جحر، كالثّعلب الّذي يَروع. قال: و متى ذلك يا رسول اللّه‏؟ قال: إذا لم تُنَل المعيشةُ إلاّ بمعاصي اللّه‏، فإذا كان ذلك الزمان حَلَّت العُزوبة. قالوا: و كيف ذلك يا رسول اللّه‏ و قد أمرتَنا بالتزويج؟! قال: إنّه إذا كان ذلك الزمان كان هلاك الرجل على يدي أبويه، فإن لم يكن /۱۸۵/ له أبوان فعلى يدي زوجته و ولده، فإن لم يكن له زوجة و لا ولد فعلى /۱۷۱/يَدَي قرابته. قالوا: و كيف ذلك۶ يا رسول اللّه‏؟ قال: يعيّرونه بضيق المعيشة و تكلّف۷ ما لا يطيق حتّى يورده موارد الهلكة.۸

1.. البَداوَة : خروج الإنسان إلى البادية . لسان العرب ، ج ۱۴ ، ص ۶۸ بدو .

2.. «ألف» : إلى الطمع .

3.. إعانة الطالبيّين ، ج ۱ ، ص ۶۴ نسبه إلى الربيع بن خثيم ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ۱۰ ، ص ۴۱ ؛ كشف الخفاء للعجلوني ، ج ۱ ، ص ۳۱۰ .

4.. اللازب : الثابت و اللاصق و اللازم و اللاتب . انظر : لسان العرب ، ج ۱ ، ص ۷۳۸ لزب .

5.. مسند أحمد ، ج ۳ ، ص ۳۷ ؛ و ج ۴ ، ص ۲۳۴ ؛ عمدة القاري ، ج ۱۴ ، ص ۱۸۰ ؛ اُسد الغابة ، ج ۵ ، ص ۳۸۲ .

6.. «ب» : ـ ذلك .

7.. «ألف» : الصيد .

8.. التحفة السنيّة ، ص ۲۶۱ ؛ مستدرك الوسائل ، ج ۱۱ ، ص ۳۸۸ ، ح ۱۳۳۳۶ ؛ التحصين ، ص ۱۳ ؛ كنز العمّال ، ج ۱۱ ،ص ۱۵۴ ، ح ۳۱۰۰۸ .

  • نام منبع :
    ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّاني
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: الإمام السید ضیاء الدین أبو الرضا فضل الله بن علیّ بن عبید الله الحسنی الراوندی؛ تحقیق: مهدي سليماني آشتياني
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1397
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2584
صفحه از 488
پرینت  ارسال به