127
ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّاني

على موجب الشريعة، و تكون تلك العقوبة كِفاءَ ذنْبه ؛ لم يقتضِ كرمُ اللّه‏ تعالى أن يثنِّيَ عقوبتَه عليه في الدار الآخرة ؛ و جاء هذا المعنى كثيرا في الأخبار المأثورة، و أنّها ربّما كانت كفّاراتٍ لذنوبٍ سالفة، و لا يبعد أن يكون ذلك ـ أعني تعجيلَ۱ العقوبة بالأسقام و الآلام ـ مِن حكم عناية اللّه‏ تعالى بالعبد حتّى تُوافِيَ يوم القيامة بصحيفةٍ نقيّةٍ لا كبيرةَ فيها، و لا يَفتضح على رؤوس الأشهاد في يوم المعاد، و لا مَدفَعَ لأن يكون بعضُ الآلام عقوبةً على بعض المكلّفين يعجّلها اللّه‏ تعالى في الدنيا و إن لم يَقترن بها الإهانةُ و لم تكن في دار الجزاء. و نحن نرى كثيرا ممّن أذنب و اجترح كبيرةً من الكبائر لا يَخرُج من الدنيا حتّى يقاسِيَ۲ بعضَ الأمراض الصعبة و الأسقام الخبيثة أو سقطةً أو عثرةً على قدر الذنب.

روى عبد اللّه‏ بن مُغَفَّل قال: بينما۳ نحن مع رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله و هو يُبايَع تحت الشجرة، و إنّي رافع أغصانَها عن رأسه، إذ جاء۴ رجُلٌ و وجهه يسيل دما، فقال: يا رسول اللّه‏، هَلَكتُ! قال: و ما أهلَكَك؟ قال: إنّي خرجت من منزلي فإذا أنا بامرأةٍ فأتبعتُها بصري، فأصاب وجهي الجدار فأصابني ما ترى؟ فقال النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: إنّ اللّه‏ إذا أراد بعبد خيرا عَجَّلَ عقوبةَ ذنبه، و إذا أراد به شرّا أمسك عليه بذنبه حتّى يُوافيه يوم القيامة كأنّه عيرٌ۵.۶

و لا شكّ أنّ الحدّ نوعٌ من العقوبة أيضا يَشتمل على الإضرار و الإهانة ؛ و قد عُجّل به في الدنيا تأديبا و دفعا لارتكاب مِثل۷ ما أوجبه، و اقتصاصا من المُقْدِم على المحظور، و اللّه‏ُ تعالى هو العالِم بحقيقة ذلك، و العِلم عنده.

1.. «ألف» : لتعجيل .

2.. المقاساة : مكابدة الأمر الشديد . لسان العرب ، ج ۱۵ ، ص ۱۸۱ قسو .

3.. «ألف» : عبد اللّه‏ بن معقل قال : بينا .

4.. «ألف» : دخل .

5.. العَير : الحمار أيّا كان أهليا و وحشيا ، و قد غلب على الوحشي ، و الاُنثى عَيرة . لسان العرب ، ج ۴ ، ص ۶۲۰ عير .

6.. مسند أحمد ، ج ۴ ، ص ۸۷ ؛ المستدرك للحاكم ، ج ۴ ، ص ۶۰۸ ؛ المعجم الكبير ، ج ۱۱ ، ص ۲۴۸ .

7.. «ألف» : ـ مثل .


ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّاني
126

و في بعض الروايات: فارجوا له خيرا و لا تيأسوا.۱ و هذا مِثل قوله عليه‏السلام: و المخلِصون على خطرٍ عظيم۲.

ثمّ قال عليه‏السلام: و مَن مات على سيّئ عمله ـ أي على عملٍ لا يرتضيه اللّه‏ تعالى ـ فخافوا عليه مِن فعله، و لا تيأسوا ؛ لعلّ اللّه‏ تعالى يغفر له، فهو الغفّار للذنوب الستّار للعيوب. و هذا الحديث يقتضي أن يكون الإنسان بين الخوف من اللّه‏ تعالى و الرجاء له ؛ فإنّه إذا كان كذلك كان أقربَ إلى أن يُؤمِنَ خوفَه و يحقِّق رجاءَه.

و فائدة الحديث: الأمر بالخوف و الرجاء و أن يكون الإنسان۳ مترجّحا بينهما.

و راوي الحديث:خالد بن أبي عمران، و أبو عبد الرحمن الحُبُلي۴.۵

۳۴۶.قوله صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: مَن أَذنَبَ في الدُّنيا ذَنْباً ۶فَعُوقِبَ بِهِ، فَاللّه‏ُ أَعدَلُ مِن أَن يُثَنِّيَ عُقُوبَتَهُ عَلَى عَبدِهِ؛ وَمَن أَذنَبَ ذَنبا۷ في الدُّنيا۸ فَسَتَرَهُ‏اللّه‏ُ عَلَيهِ وَعَفَا عَنهُ في الدُّنيا، فَاللّه‏ُ أَكرَمُ مِن أَن يَعُودَ في شَيءٍ قَد عَفا عَنهُ.۹

يقول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: مَن ارتَكبَ محظورا في دار الدنيا /۲۱۶/ فعوقب ؛ إمّا بآلامٍ و أسقام يسلّطها اللّه‏ تعالى عليه تمحيصا له و تخليصا، و يجعلها عقوبةً مستعجلةً ؛ و إمّا بحدٍّ /۲۳۹/ يُحَدّ به

1.. الدعوات ، ص ۲۳۷ ، ح ۶۶۱ .

2.. كشف الخفاء للعجلوني ، ج ۲ ، ص ۳۱۲ ، ح ۲۷۶۹ ؛ تفسير السلمي ، ج ۱ ، ص ۳۵۵ ؛ تفسير الرازي ، ج ۲۸ ، ص ۱۰۳ .

3.. «ألف» : الإحسان .

4.. هو منسوب إلى بطن مِن عرب اليَمن القَحطانية المعروفين يقال لهم بنو مُعافِر ، و عِداده في أهل مصرَ ، و هو من طبقةالتابعين . عبد الستّار .

5.. «ألف» : الجبلي .

6.«ب» : ـ ذنبا .

7.. «ب» : ـ ذنبا .

8.«ألف» : ـ في الدنيا .

9.. مسند الشهاب ، ج ۱ ، ص ۳۰۳ ، ح ۵۰۳ ؛ مسند أحمد ، ج ۱ ، ص ۹۹ و ۱۵۹ ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج ۸ ، ص ۳۲۸ ؛المعجم الصغير ، ج ۱ ، ص ۲۴ ؛ المستدرك للحاكم ، ج ۲ ، ص ۴۴۵ ؛ حسن الظنّ باللّه‏ لابن أبي الدنيا ، ص ۶۳ ، ح ۵۲ ؛ سنن الدارقطني ، ج ۳ ، ص ۱۵۱ ، ح ۳۴۷۰ ، روضة الواعظين ، ص ۵۰۲ مع اختلاف يسير في كلّ المصادر غير الأوّل .

  • نام منبع :
    ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّاني
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: الإمام السید ضیاء الدین أبو الرضا فضل الله بن علیّ بن عبید الله الحسنی الراوندی؛ تحقیق: مهدي سليماني آشتياني
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1397
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2412
صفحه از 488
پرینت  ارسال به