تمهيد
الحمد للّه و السلام على رسول اللّه و على وصيّه أمير المؤمنين و ابنته الصديقة الطاهرة و أهل بيته المعصومين.
يطل علينا شهاب الأخبار للقاضي أبي عبد اللّه محمد بن سلامة القضاعي من نافذة الكتب الحديثية النادرة التي أفرزتها الحضارة الإسلامية و ظفرت بنظرة الرضا و القبول لدى عديد من فرق المسلمين و مذاهبهم، و مختلف القوميات و الشعوب على امتداد جغرافية الوطن الإسلامي، إذ لم تعثر إحصائيتي عن الكتب القليلة المقبولة عامةً في الوقت الحاضر ـ غير شهاب الأخبار ـ سوى على كتاب نهج البلاغة فحسب!
ذلك (النهج) سرعان ماحظي بمكانة سامقة و تبوّأ الصدارة لاتّساع الاستشهاد به، و غزارة مخطوطاته في جميع القرون و البلدان و عند الجماعات الإسلامية قاطبة حتى إنه ألقى ظلالاً كثيفة أطّرت توهّج كتاب الجاحظ النفيس (مئة كلمة من كلمات علي بن أبي طالب) الذي حاز الأفضلية بلا منازع آنذاك، و لم تسمح لكتاب جذّاب آخر ألّفه القاضي القضاعي (و هو دستور معالم الحكم من كلام أمير المؤمنين) ليخطر في مشيه أمام الناظرين.
مع كل هذا فنهج البلاغة ـ كما أظن ـ كتابٌ ديواني (أي سياسي ـ إداري)؛ إما بسبب الوظائف الحكومية الكثيرة لمؤلفه الشريف الرضي (رحمه اللّه)، و إما لمتطلّبات الحدود الضيّقة للأجواء الاجتماعية و الثقافية التي عاصرها. فبذريعة بلاغته و عن طريقها تُعلّم السياسةُ و الحكمة العَلَويّتان للحكام و رجال الديوان (الدولة) بالدرجة الأولى، و من ثمّ للكتّاب و المنشئين و سائر الموظّفين و الإداريين. ولكن بموازة الجماليات الإعجازية لكتاب كهذا، فله صعوبات أيضا وقفت حجر عثرة أمام القارئ العادي، و حالت دون دراسته و تدريسه في الألفية المنصرمة.
أما شهاب الأخبار، فهو كتاب سهل الفهم و موجز و متنوّع و شامل في الوقت ذاته، حيث ورد فيه جميع تعاليم الدين الأساسية تقريبا (من التوحيد إلى المعاد و الأخلاق)، و كل الوظائف الأساسية للمتديّنين (من الصلاة إلى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر)، و أغلب الآداب الأصلية