و قيل في قوله تعالى «وَ لِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ»۱: إنّها جَنَّةٌ واحدة، و احتُجَّ في ذلك بقول الشاعر:
و مَهمَهَينِ قَذَفَينِ مَرَّتَين
قَطَعتُه بالسَّمْتِ لا بالسَّمْتَين۲
/۱۶۲/ قال: «قَطَعتُه» ؛ لأنّه أراد مَهْمَها واحدا. و هذا كثير في كلامهم، و يكون المعنى أنّه يَكذِب في ذلك كذبا بليغا و زورا شنيعا.
و قد ذُكر أنّ معنى ثوبَي زور أن يَصِلَ كُمَّيْنِ بِكُمَّيْ دِثاره، فيُرى أنّ تحت دثاره قميصا و هو كاذب، و هذا الوجه كما ترى۳ إلاّ أنّه قد ذُكر فذَكرناه۴. و يجوز أن يكون إشارةً إلى التصنُّع۵ فيما ينتحله مِن مذهب و طريقة، و العرب تكنِّي بالثوب عن حال لابسه و عن مذهبه، قال:
و إنّي بحمد اللّه لا ثوبَ غادرٍ
لَبِستُ و لا مِن رِيبةٍ أتقنّع۶
و رُوي في سبب الحديث: أنّ امرأةً أتَتِ النبيَّ صلىاللهعليهوآله فقالت: إنّ لي ضَرَّةً، فهل علَيَّ جُناح أن أتشبّع بما لم اُعطَ؟ فقال عليهالسلام: المتشبّع بما لا يَملِك كلابِسِ ثوبَي زُور.۷
و معنى الحديث: أنّ الّذي يَتكبّر بما ليس عنده، فهو كالكاذب الّذي قَنِعَ بكذبه يَسخر مِن نفسه، و يَظُنُّ أنّه يَسخر بالناس۸ ؛ لأنّه مزوِّر غير محقِّق.
/۱۵۱/ و فائدة الحديث: النهي عن الصَّلَف۹ و التكبّر و ادّعاء ما لا يقدر۱۰ عليه، و ليس
1.. الرحمن ۵۵ : ۴۶ .
2.اُنظر : خزانة الأدب ، ج ۷ ، ص ۵۱۴ .
3.. أي أنَّه ضعيف لا يحاجُّ عليه . عبد الستّار .
4.. «ألف» : إلاّ أنّه قد ذكرناه .
5.«ألف» : التطبّع .
6.. اُنظر : التذكرة الحمدونية ، ج ۳ ، ص ۸ ؛ الزاهر في معاني كلام الناس ، ص ۳۲۶ .
7.. مسند أحمد ، ج ۶ ، ص ۳۴۵ ؛ صحيح مسلم ، ج ۶ ، ص ۱۶۹ ؛ تحفة الأحوذي ، ج ۶ ، ص ۱۵۵ ؛ صحيح ابن حبّان ، ج ۱۳ ،ص ۴۸ .
8.الفصيح : يَسخر مِن الناس . عبد الستّار .
9.. الصَّلَف : هو الغلوّ في الظرف و الزيادة على المقدار مع تكبُّر ، و الصَّلَف أيضا : قلّة الخير . لسان العرب ، ج ۹ ، ص ۱۹۶ صلف .
10.. هكذا في المخطوطتين ، و الأولى : «لا تقدر» .