149
ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الأوّل

قام بمصالحهم، فكأنّه عليه‏السلام يقول: إنّ قلّة العيال يسارٌ ثانٍ تَخفّ به۱ مؤونتُه و تَكثر معونته. و اشتقاق «اليسار» من اليسر الّذي هو ضدّ العسر، فكما أنّ الموسر تَيسَّرَ أمورُه و أحواله لثروته و يساره، كذلك القليل العيال يتيسّر شغله و يقلّ اكتراثه۲ بأحوالهم، فإذا هو أحد اليسارين.

و يجوز أن يكون المعنى /۲۳/ على النهي عن التوسّع في استلحاق العيال و تضعيف المؤونة و تشعيب الأمر ؛ فإنّ۳ المُعيل ربّما يحوجه الأمر و۴ الضرورة و تَحْفِزُهُ۵ الحاجة إلى ارتكاب ما لا يَحسن و لايجمل، و يجوز أن يكون تطييبا لقلب المتلهّف على كثرة الأولاد، و المتحسّر على وفور الأحفاد، و تسليةً له ؛ فإنّ من الناس من يتمنّى ذلك و يتحسّر عليه.

و «السؤال» أصله الطلب، و حسنه ترتيبه و تحرّي الأدب فيه و الوقوف على مراتبه، و قد رتّبوها فقالوا: المرتبة الأُولى السؤال عن الهليّة، ثمّ عن الماهيّة، ثمّ عن الكيفيّة، ثمّ عن الكميّة، ثمّ /۲۲/ عن اللمّيّة۶ حتّى أنّه يحكم على من سأل عن اللمّيّة۷ بأنّه قد سلّم المراتب المتقدّمة لها.

فكأنّه يقول عليه‏السلام: إنّ السائل إذا تَأتّى بحُسن۸ السؤال، و ترفّق به، و عرف مصارفه، فما أحراه بعلم ما يَسأل عنه و الإحاطة به، فكأنّ۹ ترتيبه لسؤاله الّذي يعثُر به۱۰ على العلم و

1.. «ألف» : ـ به . و يمكن أيضا أن يُقرأ في «ب» بدون «به» .

2.. اكترث له : حَزِنَ ، و كَرَثني الأمرُ : غَمَّني و أثقلني . انظر : لسان العرب ، ج ۲ ، ص ۱۸۰ كرث .

3.. «ألف» : و إنّ .

4.. «ب» : ـ الأمر و .

5.. حَفَزَه أي دفعه من خلفه يَحفِزه حَفزا . لسان العرب ، ج ۵ ، ص ۳۳۷ حفز .

6.. «ألف» : ـ ثمّ عن اللمّيّة .

7.. «ألف» : الهليّة .

8.. «ب» : لحسن .

9.. «ألف» : فكان .

10.. «ألف» : يَعتريه .


ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الأوّل
148

و لا يبعد أن يكون اشتقاق الهمِّ منه، و يقال: إنّ الهمّ فيما يُتوقّع، و الحزن على ما وقع. و «الهَرَم»: كبر السنّ و سقوط المنيّة.

يقول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله مبيِّنا صعوبةَ أمر الهمّ و الحزن و ناهيا عن التعرّض /۲۱/ لما يجلبه و يوجبه: إنّ الهمّ في شدّة تأثيره و قوّة توهينه للإنسان و القعود۱ به عن النهوض بما هو بصدده بمنزلة نصف الشيخوخة الّتي تهُدُّ۲ الأركان، و تُوهي البنيان، و تُسقط القوّة، و تُضعف المنّة.

و بناء الكلام على النهي عن تعرّض ما يوجب الهمّ و يقتضيه.

و قد أشار الشاعر إلى هذا المعنى بقوله:

فمَن سرّه أن لا يرى ما يَسوؤه

فلا يَتّخذ شيئا يَخاف له فقدا۳

و عن أمير المؤمنين عليه‏السلام: أشَدُّ خَلقِ رَبِّك عشرةٌ: الجبالُ الرواسي، و الحديدُ يَنحِت الجبالَ، و النارُ يَأكُل الحديدَ، و الماءُ يُطفيٌ النارَ، و السَّحابُ المسخَّرُ بينَ السماءِ و الأرضِ يَحمِل الماءَ، و الريحُ يَنقُل السَّحابَ، و الإنسانُ يَتّقي الريحَ بيده و يَذهب فيها لحاجته، و السُّكرُ يَغلِبُ الإنسانَ، و النَّومُ يَغلب السكرَ، و الهَمُّ يَمنع النومَ، فأشَدُّ خَلقِ ربّك الهَمُّ.۴

و «العِيال»۵: مَن يَعولهم الرَّجل أي يَقوتهم، يقول: عالَ عِيالَه عَوْلاً و عِيالةً إذا قاتهم و

1.. «ألف» : التعوّد .

2.. الأصمعي : هَدَّ البناءَ يهُدُّه هَدّا إذا كسره و ضَعضعه . لسان العرب ، ج ۳ ، ص ۴۳۲ هدد .

3.. لعبيد اللّه‏ بن عبد اللّه‏ بن طاهر . أنس المجنون و راحة المحزون ، ص۲۴۵ ؛ تحفة الملوك ، ج۲ ، ص۵۴۵ ؛ التذكرة الحمدونية ، ج۸ ، ص۱۰۵ ؛ التمثيل والمحاضرة ، ص۷۵ ؛ ثمار القلوب في المضاف و المنسوب ، ص۵۵۸ ؛ شرح مقامات الحريري ، ج۲ ، ص۱۰۸ ؛ كشكول البهائي ، ج۳ ، ص۲۸۱ ؛ اللطائف و الظرائف ، ص۲۳ ؛ محاضرات الأدباء و محاورات الشعراء و البلغاء ، ج۱ ، ص۶۰۰ ؛ نهاية الإرب في فنون الأدب ، ج۳ ، ص۱۰۱ ؛ تاريخ الإسلام للذهبي ، ج ۲۲ ، ص ۲۰۰ .

4.. مجمع الزوائد ، ج ۸ ، ص ۱۳۲ ؛ المعجم الأوسط ، ج ۱ ، ص ۲۷۶ ؛ كنز العمّال ، ج ۶ ، ص ۱۷۷ ، ح ۱۵۲۵۲ مع اختلافيسير في اللفظ .

5.. و لا يقال : العائلة؛ و كم شاعَ خطأً مُنذُ القديم ؛ لأنّ العائلة هي المرأة الفقيرة ، و الرجُل عائلٌ أي فقيرٌ قال تعالى : «وَوَجَدَكَ عائلاً فَأغنى» (عبد الستّار) .

  • نام منبع :
    ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: الإمام السید ضیاء الدین أبو الرضا فضل الله بن علیّ بن عبید الله الحسنی الراوندی؛ تحقیق: مهدي سليماني آشتياني
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1397
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1964
صفحه از 503
پرینت  ارسال به