409
ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الأوّل

الأجساد اللطيفة بعد موت صاحبها كما كانت في دار الدنيا يَعرف بعضها بعضا، و يتباشر فيأتلف۱، و بالعكس.

و رَوَتْ عائشة في سبب /۱۳۲/ هذا الحديث: أنّ مُخَنَّثا قَدِمَ المدينة فنزل على مخنّثٍ من غير أن يَعلم أنّه مخنّث، فبلغ ذلك النبيَّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله فقال: الأرواح جنود مُجَنَّدة...۲ الحديث.

و روي عنه عليه‏السلام: الأرواح جنود مجنّدة تلتقي فتَشامُّ۳ كما تتشامُّ الخيل، فما تعارَفَ منها ائتَلَفَ، و ما تَناكر منها اختلف، فلو أنّ مؤمنا /۱۴۰/ جاء إلى مجلس فيه مئة منافق ليس فيهم إلاّ مؤمن واحد لَجاء حتّى يجلس إليه، و لو أنّ منافقا جاء إلى مجلس فيه مئة مؤمن و ليس فيهم إلاّ منافق واحد لجاء حتّى يجلس إليه!۴ أو كما قال عليه‏السلام.

و روي عن۵ عائشة أنّها قالت: كانت امرأة بمكّة تدخل على نساء قريش تُضحكهنّ، فلمّا هاجرتُ إلى المدينة دخلتُ المدينة فدخلتْ عَلَيَّ، قلت: فلانةُ، ما أقدَمَكِ؟ قالت: إليكنّ. قلت: فأين نزلتِ؟ قالت: على فلانة ـ امرأة مُضحِكة بالمدينة ـ. فدخل رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله فقلت: يا رسول اللّه‏، فلانة المضحكة! قال عليه‏السلام: فعلى من نزلت؟ قلت: على فلانة. قال: المضحكة؟ قلت: نعم. قال: الحمد للّه‏ ؛ إنّ الأرواح جنود مجنّدة...۶ الحديث.

و في كلام بعضهم: الروح نِقاب۷ أي يُعلِم بالأشياء، و هذه كناية عن العلم و الفطنة و الذكاء و المعرفة و الدهاء، و العرب تعبّر بالرُّوح عن الحياة، و اللّه‏ الموفّق.۸

و أقول: إنّ تحقيق أمر الروح عسير، و لا يَعلم حقيقة ذلك إلاّ مَن خلقه و أوجده۹ و ركّبه، «وَ مَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً»۱۰، و لو أراد تعالى۱۱ أن نعلم۱۲ حقيقته و ماهيّته بكنهه

1.. «ب» : تتباشر فتأتلف .

2.. بحار الأنوار ، ج ۶۱ ، ص ۶۴ .

3.. التَّشامُّ : التفاعل من الشمّ أي شَمَّ كل واحد منهما صاحبه بأنفه . انظر : لسان العرب ، ج ۱۲ ، ص ۳۲۵ شمم .

4.. كتاب المؤمن ، ص ۳۹ ، ح ۸۹ ؛ بحار الأنوار ، ج ۷۴ ، ص ۲۷۳ ، ح ۱۶ عن كتاب المؤمن ؛ المعجم الأوسط ، ج ۵ ،ص ۲۴۸ (و فيه إلى قوله : «و منها اختلف») .

5.. «ألف» : أنّ .

6.. بحار الأنوار ، ج ۶۱ ، ص ۶۴ ، ح ۵۰ عن ضوء الشهاب ؛ كشف الخفاء للعجلوني ، ج ۱ ، ص ۱۱۲ .

7.. النِّقاب : العالِم بالاُمور ، هو الرجل العلاّمة ، و الرجل العالم بالأشياء المبحِّث عنها الفطِن الشديد الدخول فيها . انظر : لسان العرب ، ج ۱ ، ص ۷۶۹ نقب .

8.راجع : بحار الأنوار ، ج ۶۱ ، ص ۶۵ .

9.. «ألف» : صوّره .

10.الإسراء ۱۷ : ۸۵ .

11.. «ألف» : ـ تعالى .

12.. «ألف» : يعلم .


ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الأوّل
408

و كذا عاما، و أنّها۱ غير داخلة في الأجساد و لا خارجة منها، و أنّها تفنى أوْ لا تفنى۲ إلى غير ذلك، فنحن مستغنون عن ذكره فيما نحن بصدده، و كُتُب الاُصول و الجدل أولى بذكر ذلك.

فقال بعضُ مَن تكلَّم في هذا الحديث: إنّه على حذف المضاف، و التقدير ذوو الأرواح،۳ و هذا قريب المأخذ، و عند جماعة من محقّقي أصحاب الاُصول أنّه يجوز عقلاً أن يكون اللّه‏ تعالى إذا استُشهد الشهيد۴ و تُوُفّي النبيُّ أو الصالح من بني آدم ينتزع من جسده أجزاءً بقدر ما تحلّ الحياة الّتي كانت الجملة بها حيّةً فيها، فيردّها إلى تلك الأجزاء فتصير۵ حيّا، و إن كانت جثّته صغيرةً فيرفعه إلى حيث شاء ؛ فإنّه لا اعتبار في الحيّ بالجثّة، و ظاهرُ۶ الكتاب يَشهد بصحّة ذلك حيث يقول تعالى: «وَ لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّه‏ِ أَمْوَاتا بَلْ أَحْيَاءٌ»إلى قوله: «وَ لاَ هُمْ يَحْزَنُونَ»۷.

و في الحديث: أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تعلّق من ورق الجنّة، ثمّ تأوي إلى قناديل معلّقة بالعرش.۸ و هذا الحديث أيضا ممّا يعضد هذه المقالة، فعلى هذا تتعارف هذه

1.. «ألف» : فإنَّها .

2.. «ألف» : تفنى أوّلاً و لا يفنى .

3.. راجع : ضياء الشهاب ، ص ۱۹۴ .

4.. «ألف» : الشهداء .

5.. «ألف» : فيصير .

6.. «ألف» : فظاهر .

7.. آل عمران ۳ : ۱۶۹ ـ ۱۷۰ .

8.. مسند أحمد ، ج ۱ ، ص ۲۶۶ ؛ فتح الباري ، ج ۷ ، ص ۲۶۹ ؛ عمدة القاري ، ج ۱۴ ، ص ۱۱۱ ؛ و ج ۱۷ ، ص ۱۴۱ ؛ تحفظ الأحوذي ، ج ۵ ، ص ۲۲۲ ؛ الجهاد لابن المبارك ، ص ۹۱ ، ح ۶۲ .

  • نام منبع :
    ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: الإمام السید ضیاء الدین أبو الرضا فضل الله بن علیّ بن عبید الله الحسنی الراوندی؛ تحقیق: مهدي سليماني آشتياني
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1397
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2183
صفحه از 503
پرینت  ارسال به