13
ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الأوّل

و أفخاذهم و فصائلهم، يخاطب كلّاً منهم بما يفهمون، و هو: «طبيب دوارٌ بطبّه، قد أحكم مَراهِمه، وأحمى مَواسمه، يَضعُ ذلك حيث الحاجةُ إليه، من قلوبٍ عُميٍ، و آذانٍ صُمٍّ، و ألسنةٍ بُكم، مُتتبّعٌ بِدوائه مواضعَ الغفلةِ و مواطِنَ الحيرة، لم يَستضيئوا بأضواء الحكمة، و لم يَقدَحوا بزنادِ العُلومِ الثاقِبة، فَهُم في ذلك كالأنعام السائِمةِ، و الصخورِ القاسية».۱

و لمّا كان كلام رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله مشتملاً على أنواع المعارف و العلوم، جامعاً من الأحكام ما دَقّ منها و جلّ، كان لأهل الحديث مشارب شتّى في مصنّفاتهم الحديثيّة ؛ فمنهم من أفرد حديث رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله مقتصراً على الأحكام الفقهيّة، و منهم من قصرها على سيرته، و منهم من خصّ الدقائق و المواعظ بالتأليف و الجمع، و غير ذلك.

فقد ألّف الناسُ من كلامه صلى‏الله‏عليه‏و‏آله الدواوين، و جُمعت في ألفاظها و معانيها الكتب، و منها ما لا يوازي فصاحته و لا يباري بلاغته.

قد منَّ اللّه‏ سبحانه على اُمّة من أعلام الدين و العلماء الربّانيين و أئمّة الحديث لخدمة حديث رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، فحفظوا حديثه و دوّنوه و حرّروه، و بيَّنوا الصحيح المرويّ عنه من سقيمه، و أثبتوا كلّ حرفٍ صَدَرَ منه بإسناده.

و كان مِن أبرز تلك الكتب التي عنت عنايةً خاصّةً بجمع جوامع الكلم من حديث رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله كتابُ الشَّهاب، للحافظ أبي عبد اللّه‏ محمّد بن سلامة القضاعيّ ؛ فقد انتخب جملةً وافرةً من أحاديثه صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ذات الكلمات القليلة و المعاني الكثيرة، حتّى جاء كتاباً جامعاً لأصناف من العلوم و المعارف و الآداب.

كتاب «الشَّهاب» و منزلته عند الإماميّة

كتاب الشَّهاب مشهور و غنيٌّ عن التعريف. قال أبو الشجاع فارس بن حسين الذُهلي (ت ۴۹۱ ق):

1.. نهج البلاغة ، الخطبة ۱۰۸ .


ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الأوّل
12

المقدّمة

بسم اللّه‏ الرحمن الرحيم

الحمد للّه‏ الذي علا في توحُّده، و دنا في تفرُّده، و جلّ في سلطانه، و عظم في أركانه، و أحاط بكلّ شيءٍ علماً و هو العالي على كلّ مكان بجلاله، و قهر جميع الخلق بقدرته و برهانه، مجيداً لم يزل، و محموداً لا يزال، و صلّى اللّه‏ على الدليل إليه في الليل الأليل، و الهادي إلى خير سبيل، و على آله الأولياء و أصحابه الأصفياء.

لا ريب أنّ علم الحديث من أهمّ العلوم الشرعية التي تبتني عليها سعادة الإنسان المؤمن في الدنيا و الآخرة، و من المعلوم أنّ أفضل الحديث حديث رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، و خير الهدى هداه ؛ كما روي عنه صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: اُوتيتُ القرآنَ و مثلَه معه.۱ و حكم حديثه حكم القرآن من جهة المصدر ؛ لقوله عزّ وجلّ: «وَ مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْي يُوحَى»۲، و هو بيان له.

فمَن تأمّل حديثه و جوامع كلمه و أدعيته و بديهات خطبه و مخاطبته مع وفود العرب، لا يشكّ و لا يرتاب في أنّ فصاحة النبيّ لا تقابلها فصاحةٌ، و لا يقارب اُسلوبه في الحديث و البلاغة اُسلوبٌ إلّا اُسلوب أئمّة الهدى ؛ فإنّهم نور واحد، و حديثهم حديث جدّهم صلوات اللّه‏ عليهم أجمعين.

كان رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله يخاطب الناس على اختلاف شعوبهم و قبائلهم و تباين بطونهم

1.. مسند أحمد ، ج ۴ ، ص ۱۳۱ .

2.. النجم ۵۳ : ۳ ـ ۴ .

  • نام منبع :
    ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: الإمام السید ضیاء الدین أبو الرضا فضل الله بن علیّ بن عبید الله الحسنی الراوندی؛ تحقیق: مهدي سليماني آشتياني
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1397
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 1909
صفحه از 503
پرینت  ارسال به