و أفخاذهم و فصائلهم، يخاطب كلّاً منهم بما يفهمون، و هو: «طبيب دوارٌ بطبّه، قد أحكم مَراهِمه، وأحمى مَواسمه، يَضعُ ذلك حيث الحاجةُ إليه، من قلوبٍ عُميٍ، و آذانٍ صُمٍّ، و ألسنةٍ بُكم، مُتتبّعٌ بِدوائه مواضعَ الغفلةِ و مواطِنَ الحيرة، لم يَستضيئوا بأضواء الحكمة، و لم يَقدَحوا بزنادِ العُلومِ الثاقِبة، فَهُم في ذلك كالأنعام السائِمةِ، و الصخورِ القاسية».۱
و لمّا كان كلام رسول اللّه صلىاللهعليهوآله مشتملاً على أنواع المعارف و العلوم، جامعاً من الأحكام ما دَقّ منها و جلّ، كان لأهل الحديث مشارب شتّى في مصنّفاتهم الحديثيّة ؛ فمنهم من أفرد حديث رسول اللّه صلىاللهعليهوآله مقتصراً على الأحكام الفقهيّة، و منهم من قصرها على سيرته، و منهم من خصّ الدقائق و المواعظ بالتأليف و الجمع، و غير ذلك.
فقد ألّف الناسُ من كلامه صلىاللهعليهوآله الدواوين، و جُمعت في ألفاظها و معانيها الكتب، و منها ما لا يوازي فصاحته و لا يباري بلاغته.
قد منَّ اللّه سبحانه على اُمّة من أعلام الدين و العلماء الربّانيين و أئمّة الحديث لخدمة حديث رسول اللّه صلىاللهعليهوآله، فحفظوا حديثه و دوّنوه و حرّروه، و بيَّنوا الصحيح المرويّ عنه من سقيمه، و أثبتوا كلّ حرفٍ صَدَرَ منه بإسناده.
و كان مِن أبرز تلك الكتب التي عنت عنايةً خاصّةً بجمع جوامع الكلم من حديث رسول اللّه صلىاللهعليهوآله كتابُ الشَّهاب، للحافظ أبي عبد اللّه محمّد بن سلامة القضاعيّ ؛ فقد انتخب جملةً وافرةً من أحاديثه صلىاللهعليهوآله ذات الكلمات القليلة و المعاني الكثيرة، حتّى جاء كتاباً جامعاً لأصناف من العلوم و المعارف و الآداب.
كتاب «الشَّهاب» و منزلته عند الإماميّة
كتاب الشَّهاب مشهور و غنيٌّ عن التعريف. قال أبو الشجاع فارس بن حسين الذُهلي (ت ۴۹۱ ق):