97
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

فيظنّ أنّ ذلك بسبب مخالطته فيعتقد صحّة العدوى فيقع في الحرج ، فأمر بتجنّبه حسما للمادّة» . ۱
هذا ، و أنت خبير بما فيه من عدم الاستقامة ، لأنّ احتجاجه على مطلبه بقوله : وقد صحّ قوله صلى الله عليه و آله «لا يعدي شيء شيئا» من جملة المصادرات ؛ إذ ما في هذا الحديث أيضا يحتمل أن يكون المراد منه عدم العدوى بالطبع .
ثمّ إنّ ما ذكره في قضيّة الأمر بالفرار من المجذوم . فهو أيضا ممّا ركاكته ظاهرة ؛ لأنّه لايكون حينئذٍ وجه لتخصيص المجذوم بالذكر في الحديث.
و كيف كان ، فإنّ مقتضى التحقيق أنّ العدوى المنفيّة هي عدوى الطبع . أي ما كان يعتقده الجاهل من أنّ ذلك يتعدّى من فعل الطبيعة من غير استناد إلى إذن اللّه تعالى و أمره و سلطانه جلّ سلطانه ـ فلذلك قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «فمن أعدى الأوّل؟!»
ثمّ لايخفى عليك أنّه إذا لم يتيسّر الجمع فإنْ علمنا أحدهما ناسخا قدّمناه ، و إلاّ رجعنا إلى الأُصول و القواعد المقرّرة في علم الأُصول.
و منها : الموقوف ، قيل : هو المرويّ عن الصحابة قولاً لهم أو فعلاً أو نحوه متّصلاً كان أو منقطعا ، و يستعمل في غيرهم مقيّدا ، فيقال : وقفه فلان على الزهري و نحوه.
و عند فقهاء خراسان تسمية الموقوف بالأثر و المرفوع بالخبر ، و عند المحدّثين كلّه يسمّى أثرا. ۲
ثمّ إنّ منه ما يتّصل إسناده إلى الصحابي فيكون موقوفا موصولاً ، و منه ما لايتّصل ، فيكون من الموقوف غير الموصول.
هذا ، و قال بعض أجلّة علمائنا : «هو في شائع الاصطلاح قسمان : مطلق و مقيّد .
فالموقوف على الإطلاق ، هو ما روي عن الصحابي أو عمّن في حكمه و هو من بالنسبة إلى الإمام عليه السلام في معنى الصحابة بالنسبة إلى النبيّ صلى الله عليه و آله ـ من قول أو فعل أو نحو

1.نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر : ۷۳ و ۷۴.

2.التقريب : ۲۷ .


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
96

متضادّين فمن كان عنده فليأتني لأُؤلّف بينهما. ۱
هذا ، ثمّ مثّل له جمع منهم بحديث «لا عدوى و لا طيرة» ۲ مع حديث «فرّ من المجذوم فرارك من الأسد» ۳ و كلاهما في الصحيح.
و أنت خبير بما فيه ؛ فإنّ ظاهر عبارتهم أنّهما حديثان ، و ليس كذلك ؛ لأنّهما في حديث واحد في صحيح البخاري .
و قال بعضهم في مقام الإتيان بالمثال : و ذلك كحديث «لا عدوى و لا طيرة و لا هامة و لاصفر» فقال أعرابي : يا رسول اللّه ، فما بال الإبل تكون في الرمل كأنّها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «فمن أعدى الأوّل؟!» مع حديث «لا يورد ممرض على مصحّح» و في رواية «لا يوردن ذو عاهة على مصحّ» الحديث . ۴
قيل في وجه الجمع بينهما : «إنّ هذه الأمراض لا تعدى بطبعها ، لكنّ اللّه تعالى جعل مخالطة المريض بها للصحيح سببا إعدائه مرضه . ثمّ قد يتخلّف ذلك عن سببه كما في غيره من الأسباب» ۵ هذا.
و قيل أيضا : «و الأولى في الجمع بينهما أن يقال : إنّ نفيه صلى الله عليه و آلهالعدوى باقٍ على عمومه ، و قد صحّ قوله صلى الله عليه و آله : «لا يُعدي شيء شيئا» و قولُه صلى الله عليه و آله لمن عارضه بأنّ البعير الأجرب يكون في الإبل الصحيحة فيخالطها فيجرب ، حيث ردّ عليه بقوله : «فمن أعدى الأوّل؟!» يعني : أنّ اللّه تعالى ابتدأَ بذلك في الثاني كما ابتدأَه في الأوّل.
و أمّا الأمر بالفرار من المجذوم فمن باب سدّ الذرايع و الوسائل ؛ لئلاّ يتّفق للشخص الذي يخالطه شيء من ذلك بتقدير اللّه تعالى ابتداء إلاّ بالعدوى المنفية ،

1.حكي ذلك عن محمّد بن إسحاق بن خزيمة كما في مقدمة ابن الصلاح : ۱۷۳ و الباعث الحثيث ۲ : ۴۸۲ .

2.صحيح البخاري ۷ : ۱۷ ب ۱۹ و ۴۳ و ۴۴ و ۴۵ و ۵۴ ؛ صحيح مسلم ۷ : ۳۱ و ۳۲ و ۳۳ و ۳۴ ؛ سنن أبي داود ۲ : ۲۳۱ ، ح ۳۹۱۱ ؛ سنن ابن ماجة ۱ : ۳۴ ، ح ۸۶ و ج ۲ : ۱۱۷۰ ، ح ۳۵۳۶ ؛ مسند أحمد ۱ : ۱۷۴ و ۱۸۰ .

3.صحيح البخاري ۷ : ۱۷ ؛ مسند ۲ : ۴۴۳ ؛ الفقيه ۳ : ۵۵۷ ، ح ۴۹۱۴ .

4.غريب الحديث للهروي ۲ : ۲۲۱ ؛ تأويل مختلف الحديث ۱ : ۹۷ .

5.مقدمة ابن الصلاح : ۱۷۳ .

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7247
صفحه از 640
پرینت  ارسال به