421
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

المغرب و العِشاء الآخرة و تكبو على عَشائك لما قاسيت من ألم الجوع بالنهار ، فتأكل و أنت كسلان ؛ لما دهاك بالنهار ، فتبيت و تنام ، و ليس لك همّ و رغبة إلى المعاصي ، و أنا رجل جنديّ أبيت طولَ ليلي و نهاري أُصاحب الأوشاب ۱ و أُحاور الفسّاق ، و أُجالس الزواني ، و أنا مع ذلك أُجاهد نفسي و لا أعصي ربّي .
فأقرّ الشيخ بأنّه هو أعظم أجرا عند اللّه سبحانه .
و من هنا حكى صاحب الجواهر ما يؤيّد ذلك ؛ حيث قال :
قد سئل الأردبيلي ـ على ما نقل ـ : ما تقول لو جاءت امرأة لابسة أحسنَ الزينة متطيّبة بأحسن الطيب و كانت في غاية الجمال و أرادت الأمر القبيح منك؟ فاستعاذ باللّه من أن يبتلى بذلك ، و لم يستطع أن يزكّي نفسه .جواهر الكلام ۱۳ : ۲۹۶ .
إلى آخر ما أفاد.
و ربّما أورد شيخنا الأنصاري عليه بأنّ عدم الوثوق بالنفس في أمثال هذه الفروض الخارجة عن التعارف لايوجب عدم الملكة فيه ؛ إذ مراتب الملكة في القوّة و الضعف متفاوتة يتلو آخرُها العصمةَ .
و المعتبر في العدالة أدنى المراتب و هي الحالة التي يجد الإنسان بها مدافعة الهوى في أوّل الأمر و إن صارت بعد ذلك مغلوبة ، و من هنا تصدر الكبيرة عن ذي الملكة كثيرا .
و كيف كان ، فالحالة المذكورة غير عزيزة في الناس . ۲
و أنا أقول : لايخفى على المنصف عسرُ حصول الملكة بترك جميع المعاصي ؛ لما عرفت و ستعرف إن شاء اللّه تعالى .
و أمّا ذكره ، ففيه : أنّه هل كان له ملكة ترك هذا الفرض غير المتعارف أم لا؟ فإن

1.أي الأوباش و الأراذل .

2.كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري ۲ : ۴۰۷ .


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
420

فإذا تمهّد لك ذلك ، فاعلم أنّ لأصحاب حسن الظاهر على أصحاب الملكة إيراداتٍ عديدةً ، نذكر جملة منها بكمال الإيجاز و الاختصار .
ألف ـ إنّ العدالة لاتحصل على القول بالملكة إلاّ بالاعتياد باجتناب الكبائر و الإصرار على الصغائر و خوارم المروّة ؛ فإنّ الملكة بشيء ما يملكه بها و يقدر عليه و لذا عرّف صاحب الفصول الملكة بما لفظه : «و أرادوا بالملكة الصفة الراسخة التي يعسر زوالها» ۱ انتهى .
و ربّما قيل : إنّ حصولها أمر ممكن متحقِّق مشاهَد في كثير من الناس بالنسبة إلى بعض المعاصي كالزنا بالأُمّ ، و اللواط بالابن ، و مثل ذلك ، و إذا كان الملكة بهذا المعنى ، فكيف يحصل الجزم علما أو ظنّا مُتاخِما ۲ له بالنسة إلى جميع المعاصي مع عدم الاعتياد بتركها ، بل و عدمِ الابتلاء ببعضها مطلقا ، و لا سيّما مع موافقة بعض نوعها طبعَ الإنسان ، كما مرّ الإشارة إليه فيما مرّ؟!
ب ـ إنّ العدالة معتبرة في أكثر الأُمور كإمامة الجماعة المأمورةِ بإيقاعها كلَّ يوم مرارا ، سفرا و حضرا ، [و] ۳ كالقضاء و الإفتاء و الشهادة و الرواية ، و كلّ ذلك عامّة البلوى ۴ ، فلو بني في أمثال ذلك على تلك الملكة ، لضاق الأمر قطعا .
ج ـ ربّما يبتلى إنسان بأُمور خارجيّة ممّا يحضّه و يحثّه على فعل المعاصي ، فلا يتمالك نفسه إلاّ و يبتلى به . و من هنا يحكى أنّ جنديّا أتى بعض المشايخ فقال له : أنت أعظم أجرا أم أنا؟
فقال : اللّه أعلم.
فقال : بل أنا ، و ذلك أنّك متى تُصبح تصلّي صلاة الغداة و تشتغل بوردك بعدها ، ثمّ لاتزال طولَ نهارك تعلّم الناس و تدرسّهم و تعظهم إلى الليل ، ثمّ إنّك تصلّي

1.الفصول ۲ : ۵۱ .

2.أي قريبا من باب المفاعلة من تخم .

3.أُضيف بمقتضى السياق .

4.كذا . والأولى : عامّ البلوى .

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7174
صفحه از 640
پرینت  ارسال به