417
رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)

و لا غَرْوَ في أن يكون مقتضى معناها الأصلي هو ما أفاد ، و مقتضى معناها الشرعي عدمَ الملكة ، بل محضَ حسن الظاهر .
و يرشدك إلى ما قلنا أنّ الشجاعة و أضرابها صفات مفردة لا إشكال في حصول ملكتها لبعض الناس ، بخلاف العدالة ، فإنّ تحقّقها يقتضي تحقّق ملكات عديدة ، و هو عسير جدّا .
و بتقريرٍ آخَرَ : إنّ بعض الصفات ربّما يتحقّق بمقتضى بعض الطباع ، و الغالبِ في الصفات المعرفة ۱ ، و ذلك فإنّ الإنسان إذا كان دمويَّ الطبع يكون شجاعا و يحصل له ملكة الشجاعة بلا عسر و كلفة ، و كذا ملكة الجبن للسوداوي ، و حدّة الذهن للصفراوي ، و البلادة للبلغمي .
و ملكة الصفة المنافيةِ للطبع لا تحصل إلاّ بعد تعب شديد و كلفة عظيمة و اعتياد شديد يغلب على مقتضى الطبع ؛ و العدالة ليست من الصفات الطبعيّة حتّى يُظنَّ يُسرُ حصول ملكتها ، بل هي ممّا عيّنه الشارع ، و ليس مدخل للطبع الحيواني ، و إنّما يحصل بمحض اعتياد ، بل و هي تتضمّن الاجتناب عن الأضداد بحسب الطبع ، فإنّ ربّ طبع يغلب فيه الغضب ؛ لما فيه من القوّة الغضبيّة طبعا ، فيكون قهر القوّة الغضبيّة عليه أصعبَ من غلبته و قهره قوَّتَه الشهوانيّةَ مثلاً ، و بعضه بالعكس ، فحصول ملكة ترك الجميع له على السواء ممّا يُستبعد جدّا و لا يحصل إلاّ بعد الاعتياد مدّةً مديدة ، حتّى يَقْسِر ذلك مقتضى طبعه و يقهرَه .
و العادة لاتتحقّق إلاّ بعد تكرّر شيء مرّة بعد أُولى ، و كرّةً غِبَّ أُخرى ، و لذا قيل : إنّ أقلّ ما يحصل به الاعتياد وقوع شيء ثلاث مرّات ؛ و من المعاصي ما لم يخطر على بالٍ ، فكيف يُظنّ اعتياده بتركه ، و حصولُ الملكة له بذلك؟!
و القياس منهدم الأساس ، و الفارق موجود ، و الجامع معدوم مفقود ، فتأمّل و تدبّر.
و لعلّك دريت ممّا أسلفنا أنّ إرادة معنى الملكة منها بمناسبة معناها الأصلي

1.كذا . و الظاهر : المُعْرِقَة . أي صفة لها أصل و منشأ .


رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
416

الفاضل الخراساني و صاحب المدارك من نسبته إلى المتأخّرين ، مضافا إلى بُعد الاطّلاع على الإجماع ، و عدم نصّيّة بعض العبائر المستفادِ منه دعوى الإجماع عليه ، و إمكانِ تنزيلِ آخر ۱ منزلةَ الشهرة بين المتأخّرين خاصّة ؛ فافهم.
الثاني : أنّه مؤيّد بالشهرة المحكيّة ، بل المحقّقة على ما نصّ عليه صاحب الضوابط فيه.
و فيه : أنها معارَضة بالشهرة المحكيّة ـ بل المحقّقة ـ على القول بأنّها حسن الظاهر ، على أنّ الشهرة لم يثبت كونها حجّة مستقلّة ، مضافا إلى أنّ الشهرة بين المتأخّرين مسبوقة بالشهرة ـ بل الإجماع ـ المحكيّ عن المتقدّمين ، فلا يُعبأ بها .
الثالث : أنّ أكثر الصفات كالشجاعة و السخاوة و غيرهما يعتبر فيه اتّصاف مَن يطلق عليه بحصول الملكة له ، و كذا لايطلق الشجاع إلاّ على من استقام في وقائع الحروب و أهوالها ، و عُلم منه اعتياده بذلك ، فليكن العدالة كذلك ؛ إلحاقا لها بالأعمّ الأغلب ، و لا نعني بالملكة إلاّ أن يقهر المكلّف نفسَه الأمّارةَ بالسوء بمجاهدة نفسه ، كما ذكره بعض الأعاظم ۲
، تبعا لأكثر أهل الأُصول .
و فيه : أنّ الشجاعة و أمثالها ممّا بقي على المعنى الأصلي اللغوي و لم ينقل عنه ، بخلاف العدالة ، فقد نقلت من المعنى الأصلي إلى المعنى الخاصّ في عرف المتشرّعة ، بل الشارع ، بقرينة شدّة الاحتياج إليها و كثرة دورانها على الألسن ، و مقتضى ذلك تحقّق الحقيقة الشرعيّة بالنسبة إليها ، كالصلاة و أمثالها ، و سؤالِعطف على «شدّة» . ابن أبييعفور من المعصوم عليه السلامعن حالها ، و اعتناءِ أهل الذكر ببيانها ؛ و لو لا تحقّق الحقيقة الشرعيّة بالنسبة إليها ، لما كان لما ذكرنا وجها ؛ لأنّ السائل و غيرَه من المخاطبين كانوا من أهل اللسان ، يعرفون لغاتِ العرب ، و لايحتاجون إلى استكشاف حقيقتها لغةً ، و لم يكن من وظائف الأئمّة عليهم السلام ـ أيضا ـ تعليمُ اللغة .

1.أي بعضٍ آخَرَ من العبائر .

2.ممتاز العلماء في إرشاد المؤمنين .

  • نام منبع :
    رسائل في دراية الحديث (الجزءُ الثاني)
    سایر پدیدآورندگان :
    به اهتمام: ابوالفضل حافظیان بابلى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1383
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7303
صفحه از 640
پرینت  ارسال به